فأجاب: جاء في الحديث عن النبي ﷺ قوله: «فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملوا»، فمن العلماء من قال: إنَّ هذا دليل على إثبات الملل لله، لكن ملل الله ليس كملل المخلوق؛ إذ إنَّ ملل المخلوق نقص؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء، أما ملل الله؛ فهو كمال وليس فيه نقص، ويجري هذا كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالًا، ومن العلماء من يقول: إنَّ قوله: «لا يَمَلُّ حتى تملوا»؛ يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل؛ فإنَّ الله يجازيك عليه؛ فاعمل ما بدا لك؛ فإنَّ الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل، وعلى هذا، فيكون المراد بالملل لازم الملل، ومنهم من قال: إنَّ هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقًا؛ لأنَّ قول القائل: لا أقوم حتى تقوم؛ لا يستلزم قيام الثاني، وهذا أيضًا: «لا يمل حتى تملوا»؛ لا يستلزم ثبوت الملل لله ﷿، وعلى كل حال: يجب علينا أن نعتقد أنَّ الله تعالى مُنَزَّه عن كل صفة نقص من الملل وغيره، وإذا ثبت أنَّ هذا الحديث دليل على الملل؛ فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق. ينظر: مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (١/ ١٧٤). (٢) أخرجه البخاري برقم (٤٣)، وأخرجه مسلم برقم (٧٨٢) بسياق آخر عَنْ عَائِشَةَ ﵁، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ حَصِيرٌ، وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ»، وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ، وهذا عند البخاري أيضًا. (٣) ينظر: فتح الباري (١/ ١٦٤).