للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما القصد فشاهد الحال منكم طلب الاستتباع والتكاثر بالأتباع، لأنكم تغلبون في ذلك كل من يأتيكم، وتدعون له من لم يأتكم، وتهملونه بعد الأخذ عنكم من النظر في أحواله، بل سمعت ممن أقبل قوله ما هو أنحس من هذا، وهو أن بعض مشيخة هذه الطائفة أتاه بعض اللصوص ليتبرك به، فقال له: خذ العهد، فقال: لا أطيقه، لأني لا أقدر على ترك ما أنا فيه من قطع الطريق ونحوه، فقال له: خذ العهد تعن على ما أنت فيه، وهذه مصيبة كبيرة، وضحكة عظيمة، فيها تجرئة للعصاة، وزيادة في إذاية المسلمين، وفتح باب الاستخفاف بالفقراء، واستهزاء بالدين، نسأل الله العافية بمنه.

وأما الحقيقة: فالمصافحة مرادة للتبرك في حق المحب، وشرطها البيان والإيناس في حق المنتسب، وشرطها التعيين والإفادة في حق المريد، وشرطها الاهتمام، ولكل قوم فيها وجه، وله بعدها معاملة تخصه، وله فتح يليق به، وهم قد عمموا الأمر، وربما جعلوا دعواهم في ذلك ضمان الدرك عند الموت (١) بالثبات، وعند السؤال كذلك، وعند الصراط، إحالة منهم على غائب، حتى لا يفتضحوا، فانعكس الأمر بظهور الفضيحة، وذلك بشواهد الأخبار النبوية والعقود الإيمانية، فقد عرف أن هذه المواقف لا ينفع فيها أحد أحدا إلا الله سبحانه، دون واسطة ولا علة إلا مزيد الإيمان، لقوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} (٢) وما قطع قلوب الأكابر إلا هذه المواقف، لعدم العلم بها، وتوقفها على مراد الحق سبحانه الذي لا تدخله علة ولا سبب، حسبما هو معلوم من الدين ضرورة، وإذا كان حسن الخاتمة أمرا لا يثق به الشيخ في نفسه، فكيف يدعيه في حق غيره، وأيضا فدعاء الرسل عليهم السلام عند


(١) أي: يقولون له: إن الشيخ يضمن لك هذه الثلاثة؛ الموت على الخاتمة والثبات عند السؤال وعند الصراط، ومعلوم أنه لا شيء من هذه الثلاثة يقدر أحد أن يضمنه لنفسه، فكيف يقدر عليه لغيره، قال تعالى على لسان نبيه: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم}، وجاء في الصحيح أن دعاء الرسل يومئذ: "اللهم سلم سلم"، ولكنه الجهل والاغترار بالمراتب، وانظر فيما يأتي فصل ٧٥.
(٢) إبراهيم ٢٧.

<<  <   >  >>