للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالث: إن تسمية الفقراء لا حقيقة له فيهم، لاتسامهم بالغناء بالله في نفس الأمر، فهو اعتراف بالمنة، ووقوف مع كرامة الحق في خطاب التكليف، ونعمة الإسلام ونحوه، وهذه كلها أمور تجر إلى الدعوى والاستظهار بالنسبة، فلا يسلم من رؤية النفس معها إلا من عصم الله سبحانه وتعالى، ثم فيه من إغراء المنكرين عليهم بالتهجين والتقبيح واستثقال النفوس لذلك منهم بما لا خفاء فيه، فاعرف ذلك، ومن ذلك تقيدهم في الأمور بمقدم يرجع إليه في غياب الشيخ أو حضوره ممن ترضى حاله أو لا، وقد يكون جاهلا، فيقدمونه حتى على العالم منهم، وهو من إرهاق العسر، مع أن السنة عدم ذلك إلا في السفر.

فإن قالوا: نحن مسافرون بالمعنى، قلنا: يتعين أن تقتصروا في حركاتكم على ما يقتضيه سفركم في اتباعه، وهو معرفة الطريق، ووجه السير، والنزول ونحوه، لا في (١)، العموم، لكن قد يكون للتعميم وجه، حيث لا نص من الشارع بنفي ولا إثبات، فاتقوا الله في ذلك.

ومن ذلك إباحة المعانقة وتقبيل اليد والمصافحة، أما المصافحة فحسنة وفيها اختلاف (٢) وقد تقدم الكلام على صورتها، وأما تقبيل اليد فالمشهور كراهته (٣) والفتيا بجوازه حيث لا وازع دنيوي، ولا خشية شهوة ولا توهمها، والمعانقة كرهها مالك وأجازها غيره (٤) لكن هذه الثلاثة قد تكون ذريعة لأمور منكرة، عاينا منها ما شاء الله عند قوم، وقد قال بعض التابعين: يكون في هذه الأمة لوطيون ثلاثة، قوم بالفعل وقوم بالمصافحة وقوم بالنظر (٥)، فيرحم اللهم مالكا في سد هذه الذرائع بالكراهة، ولغيره العذر بإثبات الحكم، وإثم الفاجر على نفسه، والله أعلم.


(١) في ت ١: (إلا في).
(٢) انظر حكمها في فصل ٣٨ (هاش).
(٣) انظر حكمه في فصل ٣٨ (هاش).
(٤) انظر حكم المعانقة فصل ٣٨ (هاش).
(٥) أخرجه البيهقي في الشعب ٤/ ٣٥٩ من قول أبي سهل، وانظر الدر المنثور ٣/ ١٥١.

<<  <   >  >>