للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك اشتراطهم الزيارة (١) على المريد، وأنه مع إخوانه مساو لهم في الحال وغيره، وهو شيء يجر إلى أكل الحرام النص، فإن النفوس مهجبولة على حب الخير، واستحسان ما يذكر بالحسن فتأتي لذلك، وتدخل فيه، مع حب الدنيا، فلا يمكنها إلا الإسعاف مصحوبا بالتكلف، وقد قال (ص): "أنا وأتقياء أمتي برآء من التكلف" (٢) وقد انجر بعض الناس إلى المنافسة فوقعوا في خلاف المقصود، وصار يؤذي بعضهم بعضا بالمعايير، ويقولون: ذوي فلان (٣) مثل ثيران الحرث، لا يأتون بشيء، ويريدون العلف والتلف، إلى غير ذلك، وهذا أمر محرم إجماعا، وأعظم من ذلك استنادهم إلى قوله تعالى:

{إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ...} (٤) الآية، وهي آية منسوخة الحكم وإن بقي الندب، لكن في حق المقام الأشرف (ص)، فلا يقاس به غيره، وقياسه به من إساءة الأدب، وشم روائح الزندقة، وإن ادعي الوراثة ففي العلم والعمل والحال، لا في تكلف التعظيم والوقار، وأخذ المال، بل يتعين عليه أن يدع الناس وهمهم فيه، ويسقط عنهم الحق (٥) والكلفة، فإن هو فعل، وإلا هلك وأهلك، وبالله التوفيق.

...


(١) أي: يزورونه للأكل عنده كما يتضح مما يأتي.
(٢) قال النووي: ليس بثابت، وأخرجه الدارقطني في الإفراد بسند ضعيف عن الزبير بن العوام مرفوعا بمعناه، وعزاه في كشف الخفاء لابن عساكر لكن النهي عن التكلف ثابت في الشريعة، قال تعالى: {وما أنا من المتكلفين}، وفي الصحيح عن عمر موقوفا: (نهينا عن التكلف)، وليس المراد منه أن الإنسان لا يهتم بضيفه ولا يكرمه، بل المقصود منه ألا يتكلف الإنسان له ما لا يقدر عليه، البخاري مع فتح الباري ١٧/ ٣٠ وكشف الخفاء ص ٢٣٧ و٣٧٥.
(٣) الصواب: ذوو فلان.
(٤) المجادلة ١٢.
(٥) المراد بالحق الإلزام الذي ألزم به بعضهم بعضا فأداهم إلى التكلف.

<<  <   >  >>