للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض ما ذاق أو رأى من ذاق، فقد قيل: المطر قريب عهد بربه (١) فيستحب البروز فيه، والتبرك عند نزول المطر، هكذا ذكر الشارع (ص) وهو مطر من السحاب، فما ظنك بالمؤمن العارف بالله، قلت: وهذا إذا كان نظره من حيث خصوصيته، لا من حيث، العموم، لأن الانتفاع بحسب النية على قدر الهمة، لا مجردا عن القصد، إذ أكمل كل عمل وتأمله بحسن النية فيه، فافهم.

قال في لطائف المنن: وإنما يكون الاقتداء بشيخ دلك الله عليه، وأطلعك على ما أودعه من الخصوصية لديه، فطوى عنك شهود بشريته في وجود خصوصيته، فألقيت إليه القياد، فسلك بك سبيل الرشاد، يعرفك برعونات نفسك، وكمائنها ودفائنها، ويدلك على الجمع على الله، ويعلمك الفرار مما سوى الله، ويسايرك في طريقك حتى تصل إلى الله تعالى، يوقفك على إساءة نفسك، ويعرفك بإحسان الله إليك، فيفيدك معرفة إساءة نفسك الهرب منها، ويفيدك العلم بإحسان الله إليك الإقبال عليه والقيام بالشكر إليه، والدوام على ممر الساعات بين يديه (٢).

فإن قلت: فأين من هذا وصفه ولقد دللتني على أغرب من عنقاء مغرب، فاعلم أنه لا يعوزك وجود الدالين، ولكن قد يعوزك وجود الصدق في طلبهم، جد صدقا تجد مرشدا، وتجد ذلك في آيتين من كتاب الله تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} (٣) وقال سبحانه: {فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم} (٤) فلو اضطررت إلى من يوصلك إلى الله تعالى اضطرار الظمآن إلى الماء البارد، والخائف للأمن _ لوجدت ذلك أقرب إليك من


(١) في صحيح مسلم ٢/ ٦١٥: من حديث أنس (ض): حسر رسول الله (ص) ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله، لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه"، ومعناه أن المطر قريبة العهد بخلق الله تعالى إياها، فيتبرك بها.
(٢) لطائف المنن ص ٤٢.
(٣) النمل ٦٢.
(٤) محمد ٢١.

<<  <   >  >>