للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فضبط الأوقات بمراعاة كل ما يليق به (١) وقد قال (ص): "إن مما في صحف إبراهيم: وعلى العاقل أن تكون له أربع ساعات؛ ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين شهواتها المباحة، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يبصرونه بعيوبه ويدلونه على ربه" (٢).

قلت: فساعة المناجاة من السحر إلى طلوع الشمس، وساعة المحاسبة من العصر إلى المغرب، وساعة الإخوان ساعة الفراغ من الضروريات، وأحسنها بعد الظهر، فإن عدم شرطهم فكتاب يقوم مقامهم، وما عدى ذلك فللأمور المباحة، هذا ما دلت عليه السنة، والله أعلم.

والتحرز من الآفات بمراقبة الحركات والسكنات، إذ لكل وقت سهم من العبودية، يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية، وهو أربعة لا خامس لها.

قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي (ض): العاقل من عقل عن الله ما أراد به ومنه شرعا، والذي يريد الله تعالى بالعبد أربعة أشياء:


(١) الوقت أثمن شيء عند العاقل، ومن رزئ فيه فقد رزئ في نفسه، فعزه في مصيبته، وقد جاء عن علماء المسلمين من أخبار الحرص على الوقت ما لا يخطر على البال عند أرقى الأمم حضارة في وقتنا، ففي أخبارهم ما يدل على أنهم كانوا لا يزنون الوقت بميزان الذهب، بل يزنونه بالذرة - وما كانوا يعرفون الذرة -، قال رجل لعامر بن عبد قيس أحد التابعين: كلمني، فقال له عامر: أمسك الشمس، أي: أوقف الزمن حتى لا يمضي وأنت تكلمني، وكان أحدهم لو قيل له: ملك الموت بالباب ما استطاع أن يزيد في عمله شيئا، وكان ابن الجوزي يدافع لقاء الناس جهده، فإذا غلب قصر في الكلام ليتعجل خروجهم، ويعد لنفسه ما يستفيد به من الوقت عند حضورهم من الأمور التي لا تحتاج إلى جهد ذهني، كقص الورق، وبري الأقلام، وحزم الدفاتر إلخ.
وقال أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي: أنا أقصر جهدي أوقات أكلي، حتى اخترت سف الكعك وتحسيه بالماء على أكل الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت الوقت في المضغ، ذكر ذلك الحافظ ابن رجب في طبقات الحنابلة ١/ ١٤٦، وانظر ما كتبه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة على رسالة المسترشدين ص ١٤٤.
(٢) تقدم انظر مقدمة المؤلف.

<<  <   >  >>