فإن قالوا: أخطأت فقد تنقصوا الشيخ، وإن قالوا: تغير كان ردا عليهم في استكمال همة الشيخ أبدا، وهو عمدتهم، فكلامهم فيه باطل، فأما غيره من أصحاب الشيخ فوقفوا مع ظاهر الصورة، ورأوا ذلك حكما عاما، فدعوا إليه عوام الخلق، وتنافسوا فيه تنافسا خارجا عن الحق، حتى انجر بهم الحال أن يرسلوا أصحابهم في البلاد ويسمونهم بالإرشاد، ويكرمون أكثرهم اتباعا، ويعظمون أوفاهم استتباعا (١)، فصار شياع الأصحاب يتحاملون بذلك على وجود الكذب في الأخبار عن الكرامات، ويثيروه، لأن الشيخ ممن يقوم على ما تتعلق به الأغراض من علم الكيمياء والحروف، وأنه صاحب تصريف متكن، وانتهى بهم ذلك إلى حد الحرص على قبول كل أحد حتى قطاع الطريق، مع إقرارهم على ما هم عليه، فلقد حدثني بعض من أصدقهم أن رجلا من عربان طرابلس دخل على شيخ من شيوخهم، فقال له: خذ العهد، فقال: يا سيدي ما أنا إلا قطعي حرامي، فقال له: خذ العهد تعن على ما أنت عليه، ففعل، وكان ذلك له زيادة في شره، وهذه فضيحة له في الآخرة وضحكة في الدنيا عند من له عقل، على التابع والمتبوع والمستتع.
وأخبرني رجل ممن أعرف ثقته أنه طلبوه بالأخذ عليهم فأبى، فاجتمعوا عليه وصرعوه في الأرض ووضعوا أيديهم في يده وقالوا: أخذت علينا، مع أنه رجل ضعيف العارضة ليس فيه ما يصلح لطريقهم ولا غيرها، فتحير المسكين من قولهم: أخذت علينا، واستعظم طريقهم وجاء مستجيرا، فقلت له: لا حق لهم عليك، فالزم تقوى الله وتلاوة القرآن العظيم ودع ما سوى ذلك، وحدثني آخر أنهم بذلوا له ستة دنانير في الأخذ عليهم فأبى وتحير في أمرهم وما رده عن ذلك إلا ما رآه من شدة، وإلا فهو جاهل مسكين، فإن قالوا: إنما قصدنا بما نفعله من ذلك هداية الخلق وإرشادهم للطريق بما أمكن، فنحتال عليه بما ذكر، ولعله أن يستحيي فيثبت، أو يخاف فيزدجر، لقوله (ص): "لأن يهدي الله بك رجلا خير لك مما طلعت