للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه الشمس" (١) قلنا: لا هداية مع بدعة، ولا حقيقة مع التقرير على معصية، لأن ذلك معصية والمعصية كلها ظلمة فهي لا تهدي إلى نور أبدا.

ثم الدعوى إلى الله تكون أولا بالوعظ والتذكير، وثانيا بالتقوى، وثالثا بالاستقامة ومجاهده النفس، ومخالفة الهوى، ومجانبة الدنيا وترك الخلائق، وأنتم لا تأتون بشيء من هذا، بل تفطمون المريد عن العلم، ولا تعرجون له على تقوى، ولا تدلونه على مخالفة الهوى، ولا تصرفونه عن غيبة، ولا أكل حرام، ولا تزهدونه في شيء من هذا الحطام (٢) بل ترغبونه في ذلك بأفعالكم، إذ تسبون من لا يتبعكم، وتلعنون من ينكر عليكم، ولا تتوقفون فيما تقدرون عليه من أسباب الدنيا، بل تأخذونه بأي وجه أمكن، من غير مبالات بحق ولا حكم، ولا تتعرفون شيئا مما أوجب الله عليكم في ظاهركم ولا باطنكم، فالواحد منكم لا يعرف حكم الله في وضوئه وصلاته، ولا يطلب أمر الله في تقلباته وحركاته، بل الطريق عندكم أن تعلموا ما ترونه من الأمور، وتسمونه بصورة الطريق، ليمتاز بذلك، وينحاش إليكم عن كل جمع وفريق، ولا إرب لكم في هدايته، ولا عمل لكم على إزالة غوايته، بل إن كان ممن يرى أنه فقيه انسلخ مما كان فيه، وعاد إلى الجهل لفقدان علمه بالحق، مع ترويجكم عليه بعكاز التسليم، وإن كانت له فطنة


(١) خرجه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدي في قصة فتح خيبر، وفيه قال رسول الله (ص) لعلي (ض): "أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، تم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من أن تكون لك حمر النعم"، البخاري مع فتح الباري ٦/ ٤٥٢ و٤٨٥ و٨/ ١٨، ومسلم ٤/ ١٨٧٢، وحمر النعم: الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب، والمعنى: أن تكون سببا في هداية إنسان إلى الحق والإسلام، خير لك من أن تكون لك حمر النعم فتتصدق بها، أو خير لك من أن تملكها، وخرج الحديث أيضا أحمد في المسند بلفظ: "حمر النعم"، المسند ٥/ ٢٣٨ و٣٣٢، وورد الحديث من رواية أبي رافع بلفظ: "خير مما طلعت عليه الشمس وغربت"، وأن النبي (ص) قال ذلك لعلي (ض) حين بعثه إلى اليمن، وعزا، الهيثمي للطبراني عن يزيد بن زياد مولى ابن عباس، وقال: ذكره المزي في الرواة عن أبي رافع، وذكره ابن حبان في الثقات، وبقية رجاله ثقات، انظر مجمع الزوائد ٥/ ٣٣٧.
(٢) في ت ١: (ولا تنبهونه على شيء من وجوه الاهتمام).

<<  <   >  >>