وتحاول أن تلتمس في تناول الباقلانى لفنون البديع، ملحظاً له في أسرار الإعجاز، أو نكتة بلاغية فيما يقدم من شواهد قرآنية، فيلقاك بمثل قوله:
"فكر في هذه الكلمات، من القرآن، كل واحدة منها كالنجم في علوه ونوره، وكالياقوت يتلألأ بين شذوره ص ٢٩٣.
"وما رأيك في قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ}
هذه تشتمل على كلمات، سناؤها وضياؤها على ما ترى، وسلاستها وماؤها على ما تشاهد، ورونقها على ما تعاين، وفصاحتها على ما تعرف. . .
"أنظر إلى هذه الكلمات الأربع التي ألف بينها، واحتج بها على ظهور قدرته ونفاذ أمره، أليس كل كلمة منها في نفسها غُرَّة وبمفردها دُرَّة؟ وهو مع ذلك يصدر عن علو الأمر ونفاذ القهر، ويتجلى في بهجة المقدرة، ويتحلى بخالصة العزة، ويجمع السلاسة إلى الرصانة، والسلامة إلى المتانة، والرونق الصافي، والبهاء الضافي. - ٢٨٦
"ثم أنظر في آية أية، وكلمة كلمة، هل تجدها كما وصفنا من عجيب لنظم وبديع الرصف؟ فكل كلمة لو أفردت كانت في الجمال غايةً وفي الدلالة آية، فكيف إذا قارنتْها أخواتُها وضامَّتْها ذواتها، مما تجرى في الحسن مجراها وتأخذ في معناها؟ - ٢٨٩.
"فلعلك ترجع إلى عقلك وتستر ما عندك إن غلطت في أمرك أو ذهبت في مذاهب وهمك أو سلطت على نفسك وجهَ ظنك. متى نهيأ لبليغ أن يتصرف في قدر آية في أشياء مختلفة فيجعلها مؤتلفة من غير أن يبين على كلامه إعياءُ الخروج والتنقل، أو يظهر على خطابه آثار التكلف والتعمل؟