ومضى الباقلانى بعد أن ترك للبلاغين ممن تكلموا في الإعجاز بعده، هذا الرصيد الضخم من ألفاظه البديعة وعباراته الفخمة، في النصاعة والبراعة والفخامة والسلاسة، والنضارة والغضارة، والرونق والماء، والحسن والبهاء والبهجة والسناء، والنور والضياء، والدر والياقوت، وفريدة العقد وعين القلادة ودرة الشذر، والبحر الزاخر والنجوم الزاهرة، والكبريت والأحمر. . .
وترك لمدرسة السكاكي، طريقته في التناول البلاغي: تقدم مع الشواهد من قول البشر شاهداً من القرآن، دون تفرقة أو تمييز، بل على القول بالمثل والنظير. . .
* * *
والجرجاني - من القرن الخامس الهجري - يعرض في رسالته (الشافية) لقضية الإعجاز في جدل المتكلمين خصومه المذهبيين، متعقباً شبهات من صرفوا الإعجاز عن وجهة البلاغي، وبخاصة من قالوا فيه بالصرفة.
وإذ كانت البلاغة عنده ليست إلا النظم، يقرر أن العرب إنما عجزوا عن الإتثيان بمثله في النظم - ١١٧
"وإن التحدي كان أن يجيئوا في أي معنى شاءوا بنظم يبلغ نظم القرآن في الشرف أو يقرب منه" - ١٤١.
ويذهب الجرجاني إلى استحالة أن يكون التحدي بالكلم المفردة أو بمعانيها التي هي لها بوضع اللغة. فذلك متاح لأهل اللغة. كما يُبطل أن يكون النظم:"الإتيان بكلام في زنة كلمات القرآن بمقاطعة ومفاصله، على نحو ما يأتي الشاعر بقصيدة يعارض بها أخرى في وزنها وعلة رَوِيَّها" - ١٩٨
"وإذ امتنع ذلك لم يبق إلا أن يكون الإعجاز في النظم والتأليف، لأنه ليس من بعد ما أبطلنا أن يكون فيه، إلا النظم" - ٢٠١.
ويحدد معنى النظم والتأليف، بأنه "ليس شيئاً غير توخي معاني النحو وأحكامه فيما بين الكلم، وأنَّا إن بقينا الدهلا نجهد أفكارنا حتى نعلم للكلم المفردة مسلكاً