ينظمها وجامعاً يجمع شملها ويؤلفها ويجعل بعضها بسبب من بعض، غيرَ توخي معاني النحو وأحكامه فيها، طلبنا ما كلُّ محالٍ دونه" - ٢٠١.
وهو يتجه بمعاني النحو إلى مواضعها في نسق الكلام ونظم الأسلوب، لا إلى الصنعة الإعرابية التي تُجَرى بمعزل عن المعنى.
* * *
ويمتنع عند عبد القاهر، أن يَفهم هذا الإعجاز البلاغي في النظم، مَن لم يؤت الآلة التي بها يفهم وهي العلم بالبلاغة والفصاحة. وكتابه (دلائل الإعجاز) يُفَصَّل القول في هذا العلم الشريف بما يتفاضل به الكلام في نظمه. أي أن الدلائل مقدمة لفهم الإعجاز ووسيلة إليه. ومعقد البلاغة عنده "أن يؤتى المعنى من الجهة التي هي أصح لتأديته، ويُختار له اللفظ الذي هو أخص به وأكشف عنه وأتم له، وأحرى بأن يكسبه نبلا ويظهر فيه مزية. ولا تفاضل بين لفظتين في الدلالة حتى يكون إحداهما أدل على معناها من الأخرى.
"وهل تجد أحداً يقول: هذه اللفظة فصيحة، إلا وهو يعتبر مكانها من النظم وحسن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها وفضل مؤانستها لاخواتها؟ وهل قالوا: لفظة متمكنة ومقبولة، وفي خلافة: قلقة ونابية ومستكرها، إلا وغرضهم أن يعبروا بالتمكن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناها، وبالقلق والنبو عن سوء التلاؤم، وأن الأولى ام تَلِقْ بالثانية في معناها، وأن السابقة لم تصلح أن تكون لفقاً للتالية في مؤادها؟
"فالألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة، ولا من حيث هي كلم مفردة، وإنما تثبت لها الفضيلة وخلافها، في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها، أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ. ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع، ثم تراها بعينك تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر. . . " - ٣٨
وقد تجرد في الفصول الأولى من كتابه (دلائل الإعجاز) للاحتجاج لمذهبه في أن