اختلافها في الفواصل، وتفاوت آياتها في الطول والقصر. وهي على ما فيها من متشابه وغير متشابه في النظم، متشابهة كلها في مزج المعاني العالية بعضها ببعض. . .
"ومن اللطائف البديعة التي يخالف بها نظم القرآن كلام العرب من شعر أو نثر، أنك ترى السور ذات النظم الخاص والقوافي المقفاة، تأتي في بعضها فواصلُ غير مقفاة فتزيدها حسناً وجمالاً وتأثيراً في القلوب. تأتي في بعض آخر آياته مخالفة لسائر آيها في فواصلها وزناً وقافية، فترفع قدرها وتكسوها جلالا وتكسبها روعة وعظمة، وتجدد من نشاط القارئ وترهف نم سمع المستمع. وكان ينبغي للخطباء والمتراسلين أن يحاكوا هذا النوع من محاسنه، وإن كانوا يعجزون عن معارضة السورة في جملتها أو الصعود إلى أفق بلاغتها" ١ / ٢٠١.
ويتصدى الشيخ محمد عبده لمن يمارون في مثل هذا الكلام عن البلاغة ويرون "أن الإجابة على الذوق فيها إحالة على مجهول لا تقوم به حجة ولا يثبت به مدلول، لأن الذوق المعنوي كالحسي خاص بصاحبه، ومن ذاق عرف".
وهو يرد على هؤلاء الناس، بمثل ما ورد به عبد القاهر الجرحاني فيقول: إن سبب هذا هو جهلهم اللغة الفصحى نفسها.
ملتفتاً إلى أن اللغة الفصحى يُكسَب ذوقها بمدارسة الكلام البليغ منها واستظهاره واستعماله. وليس بقراءة كتب الصنعة المتأخرة التي هي إلى العجمة والتعقيد أدنى منها إلةى الفصاحة والبيان. ومنوهاً في الوقت نفسه بكتب الأولين ممن وضعوا قواعد النحو واللغة والبلاغة، حتى القرن الخامس للهجرة، وبخاصة (أسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز) لأنهما الكتابان اللذان يحيلانك في قوانين البلاغة على وجدانك وجنانك، قال:
"وقد مرت القرون في إثر القرون على ترك الناس لهذه المدراسة، واقتصار مدارس الأمصار على قراءة كتب النحو والصرف والمعاني والبيان، هي أدنى ما وُضع في فنونها فصاحة وبياناً وأشدها هجمة وتعقيداً، وهي الكتب التي اقتصر