فكان أن جَمَّدوا روح البلاغة في قوالب الصنعة وأغلال المنطق، وشغلتهم الحدود والتعريفات والإجراءات، عن لمح سر البيان وذوق الأسلوب وروح النص.
* * *
وتوارت قضية الإعجاز في الميدان البلاغي، في فيض الشروح والمختصرات والحواشي على متن (مفتاح السكاكي) الذي سيطر على الدراسة البلاغية. فانحصرت قضية الإعجاز في كتب علوم القرآن الجامعة، كالبرهان للزركشي والإتقان للسيوطي. وفي كتب المفسرين، يتناولونها في تأويل آيات لبتحدي والمعاجزة. على نحو ما فعل "الشيخ محمد عبده" في تفسير آيتى البقرة:
حيث كتب فصلاً "في تحقيق وجوه الإعجاز" لخص به مختلف الأقوال فبه. ويعينيا هنا ما يتصل بالبيان، أو ما سماه الإعجاز بأسلوبه ونظمه.
ووجه هذا الإعجاز عنده، هو اشتمال القرآن على النظم الغريب والوزن العجيب والأسلوب المخالف لما استنبطه البلغاء من كلام العرب، في مَطالعه وفواصله ومقاطعه، قال:
"ولعمري إن مسألة النظم والأسلوب لإحدى الكُبَر، وأعجب العجائب لمن فكر وأبصر، ولو يوفها أحدٌ حقها على كثرة ما أبدأوا وأعادوا فيها. وما هو بنظم واحد ولا بأسلوب واحد، وإنما هو مائة وأكثر: القرآن مائة وأربع عشرة سورة متفاوتة في الطول والقصر، من السبع الطوال إلى الوسطى إلى ما دونها. وكل سورة منها تقرأ بالترتيل المشبه للتلحين المعين على الفهم المفيد للتأثير. على