القسَم انتقض بنفيك إياه. والجمعُ بينهما أوْلى بأن يُسقطهما كليهما، على القاعدة الأصولية في الدليلين يتعارضان فيتساقطان.
* * *
أفلا يهيدنا تدبر سياق آيات "لا أقسم" لله تعالى وحده، إلى سر البيان في "لا" تنفي حاجته، جل جلاله، إلى القسم؟.
بلى، وإنما نحتاج نحن البشر إلى أن نقسم، دفعاً لمظنة اتهام أو إزاحةً لشكَّ. ومن ثم نلمح سر العربية إذ تستعمل هذا الأسلوب، حيث تنتفي الحاجة إلى القسم، في مواضع الثقة واليقين.
وفرقً بعيد أقصى البعد، بين أن تكون "لا" لنفي القسم، كما قال بعضهم. وبين أن تكون لنفي الحاجة إلى القسم، كما يهدي إليه البيان القرآني. ومن نفي الحاجة إلى القسم، يأتي التوثيق والتقرير. لأنه يجعل المقام في غنى بالثقة واليقين عن الإقسام.
والسر البياني لهذا الأسلوب، يعتمد في قوة اللفت، على ما يبدو بين النفي والقسم من مفارقة مثيرة لأقصى الانتباه. وما نزال بسليقتنا اللغوية نؤكد الثقة بنفي الحاجة معها إلى القسم، فتقول لمن تثق فيه: لا تقسم، أو: من غير يمين.
مقررأ بذلك أنه موضع ثقتك فلست بحاجة إلى أن يقسم لك. كما تقول لصاحبك: لا أوصيك بكذا، تأكيداً للتوصية بنفي الحاجة إليها.
* * *
وإذ اكتفى بهذا القدر ككا اجتليت من أسرار الإعجاز في البيان القرآني، أرجو ألا يُظن بي أنني أجحد جهود السلف الصالح في خدمة كتاب الإسلام ومحاولاتهم في فهم إعجازه. فالحق أن عطاءهم السخي كان لنا على تتابع الأجيال ذخيرة ومدداً.