"ولهذه الجملة لم يعتمد شيوخنا في إثبات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، على المعجزات التي إنما تُعلم بعد العلم بنبوته - صلى الله عليه وسلم -. لأن ثبوت ذلك فرع على ثبوت النبوة، فكيف يصح أن يستدل به على النبوة؟ وجعلوا هذه المعجزات مؤكدة وزائدة في شرح الصدور فيمن يعرفها من جهة الاستدلال.. فأما من يشاهد ذلك - ممن عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - فحاله فيها كحاله مع القرآن، في إنه يمكنه الاستدلال بها كما يمكنه ذلك في القرآن، لأن ثبوتها بالمشاهدة أخرجها من أن يكون عِلمُ المشاهِد لها كالفرع على النبوة، فصح أن يستدل بها على النبوة، ولذلك أعتمد شيوخنا في تثبيت نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، على القرآن، لأن عِلْمَ المخالف به كعلم الموافق، من حيث ظهر نقله - والتحدي به - على وجه الشياع. وهذا هو الذي ذكره شيخنا أبو علي في (نقض الإمامة) على ابن الراوندي، وفي غيره.
"فأما من شنع وزعم أنهم أبطلوا سائر معجزات محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكلامه يدل على جهل. لأن شيوخنا أثبتوها معجزة ودلالة، لكنهم لم يجوزوا الاعتماد عليها في مكالمة المخالفين".
ثم أفرد القاضي عبد الجبار، فضلاً "للكلام في إثبات سائر معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم - سوى القرآن، وبيان دلالتها على نبوته".
ونقل فيه عن شيوخه، أن "من هذه المعجزات ما يُعلم باضطرار، مما حدث في المجامع العظيمة وحصل النقل فن متظاهراً. . . وقد ذكر أبو هاشم في مواضع، فأما شيخنا أبو علي فقد ذكر ذلك في (نقض الإمامة) على ابن الراوندي".