تلا المصطفى عليه الصلاة والسلام، في قومه قريش مل تلقى من كلمات معجزته، فآمن بها من آمن بمجرد أن أصغى إليه. وعز على طواغيت الوثنية القرشية أن يسلموا بنبوة بشر مثلهم، ابن امرأة من قريش تأكل القديد، جاء يسفه أحلامهم وينسخ دين آبائهم ويقوض أوضاعاً سائدة راسخة، توارثوها خلفاً عن سلف، واستقرت عليها حياتهم من قديم الدهور والأحقاب، وتهيأ بها لقريش شرفها ونفوذها الديني والتجاري على قبائل العرب، بحكم استئثارها بالوظائف الكبرى في "أم القرى" مثابة حج العرب، ومركز سيادتها على الأسواق العامة التي كانت تقام هناك بالبلد العتيق في موسم الحج، بعكاظ ومجنة وذي المجاز. . .
ولم يأتهم "محمد بن عبد الله" بآية من مثل ما أتى المرسَلون قبله. وتلا عليهم ما أوحى إليه من هذا القرآن العربي المبين، يعرفون كما لا يعرف سواهم أنه معجز، وما عهدوا على "محمد بين عبد الله" كذباً قط، ولا ارتابوا في أمانته ورجاحة عقله وكرم خلقه، لكنهم في مواجهة الدعوة التي ترفض دين آبائهم وتسفه أحلامهم وتمحق عبادتهم وتقوض ما ألفوا من أوضاع، تصدوا لمجادلته في معجزة نبوته.
ومن شأن هذه المجادلة أن تورطهم في اتهامه بما يوقنون أنه برئ منه. ولهذا ينبغي أن نفرق في موقفهم من المعجزة، بين حقيقة رأيهم فيها، وبين ما انساقوا إليه من دعاوى جدلية في خصومتهم العنيدة للمصطفى عليه الصلاة والسلام، لعلها تصد العرب عن الإيمان برسالته.
وفيما سبق من حديث المعجزة، نقلنا ما كان من حيرتهم في وصف القرآن بالشعر أو السحر والكهانة، مع إقرارهم فيما بينهم وبين أنفسهم بأنه ليس شيئاً من ذلك كله، ويقينهم أنه غير ما عرفوا من كلام البشر.
ولم تبلغ بهم الغفلة أن يتصوروا أن العرب يفوت عليهم أن يميزوا بين