واضطرب "الباقلانى" في موقفه من هذه القضية، فهو يشتد في حملته على خطأ من زعموا اختصاص أهل العصر الأول بالتحدي، "وقالوا: الذي بني عليه الأمر في تثبيت معجزة القرآن، أ، هـ وقع التحدي إلى الإتيان بمثله، وأنهم عجزوا عنه بعد التحدي إليه. فإذا نظر الناظر وعرف وجه النقل المتواتر في هذا الباب، وجب له العلم بأنهم كانوا عاجزين عنه".
ثم لا يلبث أن يقول:
"إن هذه الآية - المعجزة - عِلْمٌ يلزم الكلَّ قبولُه والانقيادُ له، وقد علمنا تفاوت الناس في إدراكه ومعرفة وجه دلالته، لأن الأعجمي لا يعلم أنه معجز إلا بأن يعلم عجز العرب عنه. وهو يحتاج في معرفة ذلك إلى أمور لا يحتاج إليها من كان من أهل صنعة الفصاحة، فإذا عرف عجز أهل الصنعة حل محلهم في توجُّه الحجة عليه. وكذلك لا يعرف المتوسط من أهل اللسان من هذا الشأن. ما يعرفه العالي في هذه الصنعة. فربما حل في ذلك محل الأعجمي في أن لا تتوجه عليه الحجة حتى يعرف عجز المتناهي في الصنعة عنه. . .
"والمرجوع في هذا إلى جملة الفصحاء، دون الآحاد. . . ".
وهو في هذا الكلام، لا يبعد عما ذهب إليه الذين ذهبوا إلى اختصاص أهل العصر الأول بالتحدي، فأشتد في نكيره عليهم.
وإذ يقول في أهل العصر الأول:
"إنا إذا علمنا أن أهل ذلك العصر - عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا عاجزين عن الإتيان بمثله، فمَن بعدهم أعجز، لأن فصاحة أولئك في وجوه ما كانوا يتفننون فيه من القول، مما لا يزيد عليه فصاحة من بعدهم، وأحسن أحوالهم أن يقاربوهم أو يساووهم، فأمَّا أن يسبقوهم فلا".
لا يلبث في الفقرة التالية لها مباشرة، أن يهدر اختصاص العرب في عصر المبعث، ويقول بأن التحدي مطروح عليهم وعلى غيرهم على حدَّ واحد: