"وكيف يجوز أن يدعي فيهم النبوة ويوجب عليهم الدخول تحت الطاعة، ويعدلون عن الأمر الواضح الذي لا شبهة فيه؟ وهل حالهم في ذلك إلا كحال من يجوز عليه من شدة العطش والماء معروض والموانع زائلة، أن يعدل عن تناوله مع شدة الحاجة وتوفر الدواعي إليه؟ وذلك يوجب إخراجهم عن حد العقلاء".
* * *
ومن قديم فرضت قضية الإعجاز نفسها على السلف من علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وتعددت أقوالهم في وجوه هذا الإعجاز.
وأيًّا ما قالوا فيها، فالذي لا ريب فيه هو أن إعجازه البلاغي لم يكن قط موضع جدل أو خلاف، وإنما كان الجدل بين الفرق الإسلامية، في اعتباره الوجه في الإعجاز، أو القول معه بوجوه أخرى. وقد تبدو شبهة خلاف فيه، في ضجيج جدلهم الكلامي، لكن الشبهة تنجلي في المال، بإمعان النظر في موقفهم من خلال الجدل المثار.
* * *
* قال قوم فيه بالصرفة، عنوا بها "أن الله تعالى صرف الهمم عن معارضته"
وشاعت نسبة هذا القول إلى المعتزلة بعامة، ونُقل فيه كلام عدد من متقدمي شيوخهم - منهم، أبو إسحاق النظام، إبراهيم بن سيار - وهشام القوطي وعباد بن سليمان. ووجهُ احتجاجهم للصرفة، إنه إذا جاز عقلاً عدم تعذر المعارضة، ثم عجز بلغاء العرب - فضلاً عمن دونهم - عن معارضته وانقطعوا دونه، فذلك برهان على المعجزة "لأن العائق من حيث كان أمراً خارجاً عن مجارى العادات، صار كسائر المعجزات".
ولعلهم لم ينظروا في ذلك إلى المعجزة وإنما نظروا إلى دلالتها على النبوة،