فبصرف النظر عن المعجزة ذاتها، يكفي عجز البشر عنها لتكون الآية والبرهان. أو كما قالوا افتراضاً:
"ولو كان الله - عز وجل - بعث نبياً في زمان النبوات، وجعل معجزته في تحريك يده أو مدَّ رجله في وقت قعوده بين ظهراني قومه، ثم قيل له: كما آيتك! فقال: (آيتي أن أحرك يدي أو أمد رجلي، ولا يمكن أحداً منكم أن يفعل مثل فعلي) - والقوم أصحاء الأبدان لا آفة بشيء من جوارحهم - فحرك يده أو مد رجله، فراموا أن يفعلوا مثل فعله فلم يقدروا عليه، كان ذلك آية دالة على صدقه، وليس يُنظَر في المعجزة إلى عظم حجم ما يأتي به النبي ولا إلى فخامة منظره، وإنما تعتبر صحتها بأن تكون أمراً خارجاً عن مجارى العادات ناقصاً لها، فمهما تكن بهذا الوصف، كانت آية دالة على صدق من جاء بها".
ويبدو أن مثل هذا الاحتجاج للنبوة بصرف الهمَم عن معارضة القرآن، قد أوقع في شبهة أن إعجازه البلاغي غير معتبر عند من لم ينظروا إليه. وذلك ما التفت إليه أعلام المعتزلة أنفسهم، فجهدوا في تقرير وجه إعجاز فصاحته ونظمه، وتجردوا للاحتجاج له.
فالجاحظ، وهو من تلاميذ "النظَّام" صنف كتابه (نظم القرآن) احتجاجاً لإعجاز هذا النظم، ومخالفاً به رأي من أكتفوا فيه بالقول بالصرفة، دون نظر إلى بلاغته المعجزة التي تفوت بلاغات البشر.
والذي فهمته من كلام القاضي عبد الجبار، وهو من أقطابهم، هو أن الاعتبار الأول عنده لإعجاز القرآن من جهة فصاحته، وأن القول بالصرفة حجة ملزمة لمن قالوا بها. قال في مبحث "بيان صحة التحدي بالكلام الفصيح":
"فإن قال - السائل -: هلا قلتم إن التحدي بالقرآن يصح لأمر يرجع إلى