هذا الإجماع على إعجاز البيان القرآني، هو الذي نقل القضية إلى الميدان البلاغي على وجه التخصيص، إلى جانب ما يعرض له المفسرون، وبخاصة البلاغيون منهم، من ملاحظ بلاغية في سياق تفسيرهم لآيات الكتاب المحكم.
وقد ظهرت محاولات مبكرة في الإعجاز البلاغي، واشتهر عبد القاهر الجرجاني بأنه صاحب مذهب الإعجاز في النظم، واشتهر أبو بكر الباقلانى بأنه أول من بسط القول في بلاغة القرآن.
والواقع أن كل المصنفات الأولى التي تحمل عنوان (نظم القرآن) تشير إلى أن مصنفيها اتجهوا إلى الدرس البلاغي "احتجاجاً لنظم القرآن" كما قال الجاحظ في تقديمه كتاب (نظم القرآن) إلى الفتح بن خاقان، ومثله كتاب أبي بكر السجستاني في (نظم القرآن) والكتابان من تراث القرن الثالث.
وإذا كنا لا نملك الحكم على مناهج المصنفين الأوائل في الإعجاز البلاغي، ممن لم تصل إلينا كتبهم، فلننظر في مناهج الذين بقيت كتبهم معالم لخطواتهم على الطريق.
سبق "الخطابي" من القرن الرابع الهجري - ت ٣٨٨ هـ - في رسالته (بيان إعجاز القرآن) إلى شرح فكرة الإعجاز بالنظم، إيضاحاً للإعجاز من جهة البلاغة "الذي قال به الأكثرون من علماء أهل النظر" قبله، وإن كانت فكرتهم فيه قائمة على نوع من التقليد وضرب من غلبة الظن. أو كما قال:
"وفي كيفيتها - جهة البلاغة - يعرض لهم إشكال ويصعب عليهم منه الانفصال. ووجدتُ عامة أهل هذه المقالة - الإعجاز من جهة البلاغة - قد جروا في تسليم هذه الصفة للقرآن على نوع من التقليد وضرب من غلبة الظن دون التحقيق له وإحاطة العلم به، ولذلك صاروا إذا سئلوا عن تحديد هذه البلاغة التي أختص بها القرآن، الفائقة في وصفها سائر البلاغات، وعن المعنى الذي يتميز