سائراً ومعنى بديعاً ولفظاً رشيقاً، وكل كلامه مملوءاً من رونقه ومائه، ومحلى ببهجته وحسن روائه، ولم يقع فيه المتوسط بين الكلامين والمتردد بين الطرفين، ولا البارد المستثقل والغث المستنكر، لم يبن الإعجاز في الكلام ولم يظهر بَيَّنُ التفاوتِ العجيب بين النظام والنظام" ١٦٤
ومن أشق الأمور على دارس ينظر في كتاب الباقلانى، أن يستخلص له من بين ذلك الحشد الكاثر من الجدل الخطابي والنصوص الطوال من الشعر والنثر، فكرةَ ّواضحة في الإعجاز البلاغي لنظم القرآن. فقد عقد بعد هذا كله فصلاً "في وصف وجوه من البلاغة" بدأه بقوله:
"ذكر بعض أهل الأدب والكلام أن البلاغة على عشرة أقسام" ثم نقل هذه الأقسام العشرة عن "الرماني" - لم يصرح باسمه -، فملأ بها ثلاثين صفحة (٣٩٦: ٤٢٦) ثم تعقبها بالنقد الذي لا يستبين منه مذهبٌ واضح في الإعجاز البلاغي في بديع نظم القرآن.
وفيما تناوله من أنواع هذا البديع، بمعنى البلاغة، لم يلتزم منهج الرماني في الاستشهاد بالقرآن، بل قدم مع الشواهد القرآنية شواهد من الشعر والنثر. وربما بدأ بتقديم هذا الشواهد من كلام البشر، ثم عقب عليها بقوله: "ونظير ذلك في القرآن. . . " أو: "ومثله في القرآن. . . "
وهذا التنظير والمماثلة، مما ينبو عنه حِسَّ من يدرك أن الإعجاز البياني لا يحتمل وجودَ المثل والنظير. . .
وأقدم هنا مثلاً من نظر "الباقلانى" في الإعجاز البلاغي، وأسلوبه في التنظير: "ويعدون من البديع، الموازنة، وذلك كقول بعضهم:"أصبر على حر اللقاء ومضض النزال وشدة المِصاع" - أي المجالدة بالسيف - وكقول امرئ القيس:
سليم الشظا عبل الشوى شنج النَّسَا. . . له حجبات مشرفات على الفال