فلا ينبغي للقاضي أن يقضي وهو غضبان وكل حال أتى عليه بغير فهمه أو عقله وقف عن الحكم فِيهِ، وذلك إذا جاع أو اهتم أو حزن أو نعس، وله أن يقضي فِي المسجد وفي منزله، ويقضي فِي أرفق المواضع بالعامة أحب إلي، وإذا دخل المسجد للقضاء أو لغيره لم يجلس حَتَّى يركع ركعتين يدعو اللَّه عند فراغه منهما بالتوفيق والتسديد والعصمة، ثم يجلس للحكم مستقبلا القبلة.
وإذا صار القاضي إِلَى مجلسه يسلم عَلَى القوم، ويجلس الخصمان بين يديه، ويسوي بينهما فِي المجلس، وفي النظر إليهما لا يرفع أحدهما عَلَى صاحبه، ويقدم الناس الأول فالأول، وإذا تقدم الخصمان إليه تركهما ليتكلم المدعي منهما، فإن جهلا ذَلِكَ، قَالَ: ليبدأ المدعي منكما، فإذا فرغ المدعي من دعواه تكلم المدعى عليه.
روينا عن عمر بن الْخَطَّابِ، أنه قَالَ فيما كتب إِلَى أبي موسى الأشعري: وآس بين الناس فِي مجلسك ووجهك وقضائك حَتَّى لا يطمع شريف فِي حيفك، وَلا ييأس ضعيف من عدلك.
وَلا ينبغي لأحد أن يلي القضاء حَتَّى يكون عالما بكتاب الله وسنن رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما أجمع أهل العلم عليه، وبما اختلفوا فِيهِ، جيد العقل أمينا فطنا، فإذا تبين لَهُ الحق حكم به، وإن ورد عليه مشكل من الحكم أحضر لَهُ أهل المعرفة بالكتاب والسنة، وسألهم عن مَا ورد عليه، فإذا أخبروه بما عندهم وأدلى كل واحد منهم بحجته نظر إِلَى القول الذي تدل عليه الحجة فأخذ به بعد أن يتبين لَهُ ذَلِكَ.