وعن أبي وائل قال: لما أمَرَ عثمانُ في المصاحف بما أمَرَ، قام عبد الله بن مسعود خطيبًا، فقال: أيأمُرُني أن أقرأ القرآن على قراءة زيد بن ثابت؟ والذي نفسي بيده لقد أخَذْتُ مِن في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورةً، وإن زيدَ بن ثابت لَذُو ذُؤابَةٍ يلعبُ به الغِلمان، والله ما نزل من القرآن شيءٌ إلا وأنا أعلم في أيِّ شيءٍ نَزَلَ، وما أحدٌ أعلم بكتاب الله منّي، ولو أعلم أحدًا تُبَلِّغنِيه الإِبِلُ أعلم بكتاب الله مني لأتَيْتُه، ثم استحيا مما قال، فقال: وما أنا بخيرِكم، وفي الخَلْق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما أنكر أحد عليه ذلك، وَلا رَدَّ ما قال.
ومن طريق الأعْمَشِ، قال: قال زَيْد بن وَهْب: لما بَعَثَ عثمان إلى ابن مسعود يأمره بالقدوم إلى المدينة، اجتمع الناس إليه، وقالوا: أقِم، ونحن نَمْنَعُك أن يصل إليك شيءٌ تكرهُه، فقال: إنه له عليَّ حق الطاعة، وإنها ستكون أمور وفِتَنٌ لا أحِبُّ أن أكون أولَ مَن فَتَحَها، فَرُدَّ الناس، وخرج إليه.
وعن أبي وائل أن ابن مسعود رأى رجلًا قد أسْبَلَ إزاره، فقال: ارفع إزارَكَ، فقال: وأنت يا ابن مسعود فَارْفَع إزارك، فقال: إني لست مثلَكَ إن بساقيَّ حموشة، وأنا آدم الناس، فبلغ ذلك عمر، فضرب الرجل، وقال له: أتَرُدُّ على ابن مسعود؟! كان رضي الله عنه رجلًا قصيرًا نحيفًا، يكاد طُوال الرِّجال توازيه جلوسًا وهو قائم، وكانت له شعرةٌ تبلُغُ أذُنيه، وكان لا يُغَيِّرُ شيبَه.
وقال حُذَيفة: لقد عَلِمَ المحفُوظُون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عبد الله بن مسعود كان من أقربهم وسيلةً، وأعْلَمِهم بكتاب الله. وروى عليُّ ابن المَدِينيّ أنه حَلَفَ بالله مَا أعلم أحدًا أشبه دَلًّا وهَدْيًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حين يخرجُ من بيته إلى أن يرجِعَ إليه من عبد الله بن مسعود، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - أنه من أقربهم وسيلةً إلى الله يومَ