عينا كضرب الحقيقة إذا كان عيناً، وكذلك قال أبو حنيفة– رضي الله عنه– فيما إذا كان العبد كبيراً، يولد لمثله مثله، لأن العتق ثبت من حيث انقلب النص إخباراً عن عتقه من حيث ملكه مجازاً لا من حيث تثبت حقيقته، وقد يسمى هذا كناية لأن الاستعمال غير ظاهر.
وقالوا: إذا قال لامرأته: هذه ابنتي، ولها نسب معروف لم تحرم لأن حقيقة ما تلفظ به ليست بسبب الفرقة عن النكاح فإنه لو كان ثابتاً ما كان بينهما نكاح، وكان سبباً لانتفاء النكاح بينهما من الأصل فيصير مجازاً عنه إذ لم يمكن إثبات حقيقته كأنه قال: ما تزوجتها.
وكذلك قالوا: إن ألفاظ تمليك العين ينعقد بها النكاح بلا نية ولا قصد لأنها متى تحققت فيمن يصلح لملك المتعة كانت أسباباً لإيجاب ملك المتعة فمتى تعذر إثبات حقائقها بكون المحل غير قابل لها صار مجازاً وكناية عما يوجب ملك المتعة.
فإن قيل: من اشترى حراً لم يصح أصلاً فلم يصح كناية عن الإجارة، وإن كان شراء الأصل سبباً لملك المنفعة وقد تعذر إثبات حقيقته في الحر ولم يصر مجازاً عن الإجارة.
قلنا: إنما يستقيم هذا إذا اتحد محل الحقيقة والمجاز لأن اللفظ المضاف إلى محل لا يعمل في محل آخر، ومحل الحقيقة والمجاز واحد في مسألة العتق والنكاح، لأن المملوك بالشراء والهبة هو العين، وكذلك المملوك بملك بالنكاح في حكم ملك العين على ما بينا في كتاب:"تحديد الأسرار"، والثابت بقوله هذا ولدي على حقيقة النسب وأنه وصف يثبت للعين، وكذلك مجازه وهو الحرية يثبت للعين.
فأما الشراء والإجارة فمحلهما مختلف فالشراء يعمل في العين والإجارة في المنفعة فلذلك لم يصر مجازاً، ألا ترى أنه وإن صار مجازاً في ذلك المحل لم يقدر على العمل.
فإن قيل: لو قال؛ آجرتك عبدي هذا يوماً عمل العقد عمله، وإنما أضاف إلى العين.
قلنا: تفسير قولنا: آجرتك هذا العبد، أني ملكتك منافعه شهراً بكذا فهو لفظ وضع لتمليك المنفعة، وإن كانت مضافة إلى الرقبة صورة.
فأما البيع فمضاف إلى الرقبة صورة ومعنى فمتى صار مجازاً صاراً مجازاً موجباً في ذلك المحل، والإجارة لا تعمل في العين فلم يصح، حتى إذا قال: بعت منافع عبدي شهراً بعشرة دراهم كانت إجارة صحيحة بلفظ البيع، وأهل المدينة يسمون الإجارة بيعاً، ولذلك أول علماؤنا خبر بيع المدبر أنه كان إجارة.