نعني بالوجوب الوجوب في الذمم حقاً لله تعالى بوقوعه علينا لا وجوب الأداء والتسليم إلى الله تعالى فقد ذكرنا أن الأداء لا يجب قبل الشرع، هذه الواجبات أربعة: معرفة نفسه بالعبودية.
ومعرفة الله بالألوهية.
ومعرفة العبيد للابتلاء إلى حين الموت بطاعة الله تعالى على أوامره ونواهيه للجزاء الوفاق خالدين.
ومعرفة الدنيا وما فيها للعبيد المبتلين لضرب نفع يعود إليهم منها.
ونعني بموجب العقل ما دل عليه العقل قطعاً إذا استدل به العبد إلا أن ما يكون منه ديناً يجب فعله لله تعالى لأنه مبتلى به، وما يجب للحياة الدنيا فلا نصفه بالوجوب عليه بحق الدنيا لأنه فيها كالبهائم وإنما فارقناها في حق الدين، ولهذا بنينا الباب الأول على إثبات الإباحة قطعاً وههنا على الوجوب.
وقد يقال بالوجوب في الباب الأول أيضاً للدين إذا كان قوامه للتدين ما تقوم به الحياة الدنيا فيجب الأكل والشرب تديناً، وكذلك التنفس، والتحصن عن شر الأعداء وشر البرد والحر ولو ترك حتى قتل أثم.
فأما الجماع فحظ الدين فيه بقاء الجنس إلى يوم القيامة، لأن الله تعالى حكم ببقائه إلى تلك المدة وعلقه بالجماع، وفرض علينا ديناً السعي لإقامة حكم الله تعالى فإنه لا تبديل لحكمة غير أن هذا الحكم يتأدى بجماع البعض فلم يجب على كل واحد بخلاف الأكل فإن الله تعالى حكم ببقاء كل شخص إلى حين، وعلق بأكله لا بأكل غيره فتعين كل شخص لوجوب الأكل عليه ديناً قطعاً ثم إثماً.
قلنا: إن هذه الأحكام الأربعة واجبة بالعقل ديناً لله تعالى أما معرفة نفسه بالعبودية لأن قوامه باجتماع أجزاء، والاجتماع عرض يضاد القدر فيلزمه القول على نفسه بالحدث ثم يرى نفسه بفوته محاباة مما أصابه مع شدة حرصه على إمساكه، وبفوته أغراضه مما يطلب مع شدة عزمه على الإصابة، ويجد نفسه تعيش بما ليس له من قوت يخرج من الأرض بماء وطبائع هواء ليست في يده فيعلم أنه مقدور عليه وله.