[القول في صفة المجتهد في الأحكام التي تجوز الفتوى فيها بغالب الرأي]
قال فريق من المتكلمين: الحق في هذه الحوادث التي يجوز الفتوى بأحكامها بالقياس والاجتهاد حقوق، وكل مجتهد مصيب للحق بعينه.
ثم إنهم افترقوا؟ فقال قوم: الحق عند الله تعالى حقوق على التساوي.
وقال قوم: الواحد من الجملة أحق، وسماه تقويم ذات الاجتهاد وقال أهل الفقه، وبعض أهل الكلام: الحق عند الله واحد. ثم افترقوا؟
فقال قوم: إذا لم يصب المجتهد الحق عند الله كان مخطئا ابتداء وانتهاء، حتى أن عمله لا يصح.
وقال عملاؤنا رحمهم الله: كان مخطئا للحق عند الله تعالى مصيبا في حق عمله حتى إن عمله به يقع صحيحا شرعا كأنه أصاب الحق عند الله تعالى.
بلغنا عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال ليوسف بن خالد السمتي: كل مجتهد مصيب، والحق عند الله واحد فبين أن الذي أخطأ ما عند الله مصيب في حق عمله.
وقال محمد بن الحسن رحمه الله في كتاب الطلاق: إذا تلاعن الزوجان ثلاثا ثلاثا ففرق القاضي بينهما نفذ قضاؤه، وقد أخطأ السنة فجعل قضاءه في حقه صوابا مع فتواه أنه مخطئ الحق عند الله تعالى.
وقال في غير موضع: إذا قضى القاضي برأي نفسه في حادثة اختلف فيها الفقهاء نفذ على الكل، وثبتت صحته في حق من يخالفه، وإن كان عند المخالف هذا القاضي مخطئا للحق عند الله.
وكذلك قالوا فيمن اشتبهت عليه القبلة في موضع لا لدليل له غير التحري بالقلب فتحرى وصلى وتبين أنه أخطأ وصلى إلى دبر الكعبة: صحت صلاته وقد أخطأ الكعبة يقينا فصار قولها هذا القول الوسط بين الغلو والتقصير.