[القول في مطلق الأمر ماذا موجبه في حسن المأمور به من الفعل]
قال العبد رحمه الله تعالى: إني لم أقف على أقوال الناس في هذا الفصل كما وقفت على أقوالهم في حكم الأمر، فما أحد استقصى كل هذا، والذي مال إليه رأيي أن ينصرف مطلق الأمر إلى القسم الأول دون الثاني، ويحتمل القسم الثاني لأن الحسن إنما يثبت صفة للفعل المأمور به مقتضى حكمة الأمر لا موجباً للأمر لغة، لما ذكرنا إن اللغة لا تفصل بين الحسن والقبيح من الأفعال بل لكل فعل أمر موضوع منه لغة، ولما كان طريق ثبوته مقتضى الحكمة ثبت أدنى ما يرتفع به الضرورة على ما يأتيك البيان في باب المقتضى. والأدنى يتأدى بحسن في غيره، فلا يثبت الحسن في نفسه إلا بدلالة زائدة.
ولكن القول الأول أصوب لأن الكلام في الأوامر بأفعال هي لله تعالى عبادة، وإذا كان المر استعباداً في نفسه صار صفة العبادة للفعل ثابتة لغة لا اقتضاءً، فقول الله تعالى:{أقيموا الصلاة} واعبدوني بها واحد فهو اسم وضع للعبادة، وكذلك الصوم إلا أنها عرفت لغة باستعارة لسان الشرع، ولسان الشرع لسان العرب، ولما وجب إثبات صفة العبادة للفعل لغة لا اقتضاء وجب إثبات صفة العبادة للفعل نفسه لا لغيره، حتى لا يصير مجازاً، ولما وجب هذا تبع صفة الحسن صفة العبادة، وكذلك شرع الله تعالى بيان للأحسن.