قد ذكرنا أن المناقضة لا ترد على العلل المؤثرة لأن تأثيرها لا يثبت إلا بدليل مجمع عليه، ومثل هذا الدليل لا ينقض، وإنما تجيء المناقضة على الطرد لأنهم جعلوه حجة باطراده، وربما لا يطرد، فإنه دليل ما ثبت إلا بحسن الظن أو غالب الرأي، وهما لا يوجبان علمًا لا يحتمل الغلط، إلا أنا أثبتنا بالباب لنبين لك بالأمثلة أن المؤثرة لا يرد عليها نقض، ولكن يرد عليها الخصوص على سبيل أن الذي جاء ناقضًا ظاهرًا غير داخل تحت ما جعله المعلل علة معنى.
وبيان ذلك بطرق أربعة.
من حيث اعتبار معنى الوصف الذي هو ركن العلة.
ثم اعتبار معنى دلالة التأثير الذي به صار الوصف حجة يجب العمل بها.
ثم باعتبار الحكم الذي وقع التعليل لإثباته.
ثم بالغرض الذي قصد المعلل التعليل لأجله وأثبت الحكم بقدره.
أما الوصف فنحو قولنا: إن وظيفة الرأس مسح فلا يثلث كوظيفة الخف.
فلا يلزم الاستنجاء بالحجارة لأن تلك الوظيفة ليست بمسح بل هي إزالة للنجاسة الحقيقية، ألا ترى أن الإزالة بالماء أفضل لأنها أتمّ، ولو كانت الوظيفة مسحًا لكره التبديل بالغسل كما في وظيفة الرأس.
وكذلك إن الدم السائل عن الجرح حدث لأنه نجس خارج فأشبه البول، ولا يلزمنا الدم إذا لم يسل عن رأس الجرح لأنه ظاهر وليس بخارج، لأن الخروج بالانتقال عن مكان باطن إلى مكان ظاهر، وتحت كل جلد ورطوبة وفي كل عرق دم، فالذي هو على رأس الجرح ظهر بزوال الجلدة التي كانت سترة له، ولم ينتقل عن مكانه إلى مكان ظاهر من بدنه خلقة فهو كرجل في البيت ظهر بفتح الباب أو بنقض البناء، والآخر ظهر بالخروج عن الباب لم يكن الظاهر في محله الباطن في أصله بزوال البناء، أو الستر خارجًا دلّ عليه أنه لا يجب غسله في نفسه إذا لم يسبل، وهذا حكم النجاسة الباطنة لا الخارجة.
وأما التأثير: فلأنا نقول: إن صفة المسح إنما صار علة لمنع التثليث، لأنه قد ظهر أثره في نفسه من حيث التخفيف في مقابلة الغسل فعلًا وذاتًا، وكذلك قدرًا من حيث