قلنا: إنما سميناه عيناً لأن الاسم في الأصل اسم معرفة على ما قلنا، وإنما تحصل الجهالة بحكم المعارضة كقولنا: زيد اسم معرفة، وإذا اجتمع رجال تسموا بزيد صار المسمى به مجهولاً بحكم المعارضة، لا لأن الاسم في نفسه نكرة فكذلك هذا وليس بمعيار على ما قلناه في الصلاة.
وأما المعيار فوقت الصوم فإن الصوم الشرعي لا يثبت قدره الذي يتم عنده عبادة إلا بوقته وهو اليوم يتم بتمامه، وينتقص بانتقاصه لا بفعل يشاهد من الصائم يعرف قدره بنفسه فإنه ترك ما يتصور تقديره إلا بزمان يذكر.
ونظيره من المعاملات ذكر اليوم في إجارة الرجل نفسه يوماً بعمل ما فإن اليوم معيار، لأن العقد وقع على منافع يومه، والمنافع لا يمكن معرفة قدر لها بالإشارة إليها بل بزمان يذكر وإنما تكون بذكر المدة، ونظير الأول رجل آجر نفسه ليخيط هذا الثوب قميصاً بدرهم اليوم فإن اليوم لا يكون معياراً، لأن العمل الذي يجعل الثوب مخيطاً قميصاً مما يعلم قدره بتغيير صفة الثوب وتمامه بصيرورة الثوب قميصاً، وذلك معلوم من الثوب لا بالوقت فلم يصر الوقت معياراً بل بياناً لطلب الأداء فيه.
ثم العين منه كرمضان فإنه اسم معرفة لذلك الشهر لا يشاركه سائر الشهور من السنة فيه، فيكون عيناً معرفة لا جهالة فيه بوجه والنكرة كقوله تعالى:{فصيام ثلاثة أيام} فالصوم مؤقت باليوم لا يجوز تأديته بالليل، وقولنا يوم لتمييز جنس النهار عن الليالي، وهذا الجنس يشتمل على أعداد كثيرة كل فرد منها يسمى يوماً فكان كقولك: رجل ودرهم وكقوله تعالى: {فتحرير رقبة} وكذلك قوله تعالى: {فصيام شهرين}، ولأن الشهر اسم لزمان أمد من اليوم كاليوم من الساعة ثم هو في نفسه يشتمل على أعداد كثيرة كل فرد يسمى شهراً.
[فصل]
ثم إن لكل وقت أحكاماً عرفت منه.
أما الوقت المعين المتوسع الذي ليس بمعيار كوقت الصلاة فمن حكمه أن الواجب فيه يجب وجوباً متوسعاً لا يتضيق إلا لآخره، أو دليل آخر كما ذكرنا في باب أهلية الآدمي لوجوب حقوق الله تعالى عليه أن الوجوب في الذمة لا يوجب المبادرة إلى الأداء، لأن الواجب للغير في الذمة لا يكون فوق الواجب له عيناً في بيته أو في يده، ومتى وقع حق الغير في يد إنسان بغير صنعة لم يجب التسليم إلى صاحبه إلا بعد الطلب، وكذلك إذا وجب بصنعه وهو غير متعدي كالمشتري فإنه لا يلزمه أداء الثمن إلا بعد الطلب، ولكن يحرم عليه الإفاتة لأن الحق للغير والإفاتة في خروج الوقت. فمتى توسع الوقت لم يكن في التأخير إفاتة فلا يتضيق عليه الأداء.