والنهي واحداً وهو الوقف، وهذا لا سبيل إليه لأن الضدين يختلف أثرهما كالإحياء والإماتة والتحريك والتسكين والله أعلم.
[فصل: الأقوال في تكرار الانتهاء]
وأما الأقوال في تكرار الانتهاء فلا يتصور لأن الانتهاء بالنهي مما يستغرق العمر إن كان مطلقاً لأنه لا انتهاء إلا بانعدام المنهي عنه من قبله، ولا يتم الانعدام من قبله إلا بالموت عليه قبل الفعل، فلا يتصوره تكراره، بخلاف الأمر بالفعل لأن الأمر بالفعل المسمى له حد يعرف وجوده بحده ثم يتصور التكرار بعده، إلا ترى ان من حلف لا يدخل الدار لم يبر إلا بالموت قبل الدخول، ولو حلف ليدخلن الدار فدخل ساعتئذ بر في يمينه وإن ترك بعد ذلك وتصور منه بعده دخول آخر.
[فصل في بيان علة وجوب الانتهاء]
اعلم بأن الشرع لا ينهى عن فعل غلا لقبحه كما لا يأمر به حقاً لله تعالى إلا لحسنه، فالقبيح: اسم لما ينبغي أن يعدم في الحكمة بخلاف الحسن، وقد ذكرنا ان النهي لغة لبيان أنه مما ينبغي ان يعدم على خلاف الأمر، فدل النهي على قبح المنهي عنه كما دل الأمر على حسن المأمور به تحقيقاً للمخالفة.
فإن قال قائل: فهلا قيل إن النهي ورد لحسن الانتهاء كما قيل في الأمر أنه ورد لحسن الائتمار؟
قلنا: لأن المطلوب بالأمر فعل، والفعل حادث يكون من العبد، فالصفة التي لأجلها صح الأمر لا بد أن تثبت لذلك الحادث.
فأما المطلوب من النهي أن لا يوجد المنهي عنه من قبل العبد ويبقى عدماً كذلك، والعدم الأصلي لا يكون بعلة ولا مضافاً غلى العبد حقيقة فلا يصح النهي لحسن الانتهاء فإنه ضرب فعل من العبد، وفعل العبد غير مطلوب بالنهي، بل المطلوب أن لا يوجد من قبله ذلك الفعل، وأن لا يوجد المعدوم ولا يتعلق بسبب موجب للعدم بل بانعدام أسباب الوجود فوجب ضرورة أن يقال: إن النهي صح لقبح الفعل المنهي عنه على خلاف الأمر، فإنه لحسن الفعل المأمور به يصير الفعل المسمى بالأمر مما ينبغي أن يوجد، وبالنهي مما ينبغي أن يعدم، ولهذا يصير العبد منتهياً بالنهي أولى إذا لم يوجد منه فعل المنهي عنه، ولو كان الانتهاء مطلوباً به حقاً لله تعالى لما أمرنا بالصوم وتأدية بالترك لم يكن الترك صوماً لله تعالى إلا على وجه يضاف وجوده إلى العبد بحق الأمر من الله تعالى من قصد لما فيه من منع نفسه عن اقتضاء الشهوات، وغنه ضرب فعل لأنه يثبت بالأمر ولا