د. وانتقال عن العلة إلى علة أخرى ليثبت الحكم الأول.
والوجوه كلها قويمة إلا الأخير.
أما الأول فلأنه ما ضمن بالعلة ابتداء إلا تصحيح الحكم بها، فما دام يسعى في تصحيح تلك العلة فهو ساع في إبقاء ما ضمن كمن احتج بقياس فنوزع فاحتج بقول الصحابي ليثبت القياس فنوزع، فاحتج لتصحيح قول الصحابي بخبر الواحد فنوزع، فاحتج لتصحيح خبر الواحد بالكتاب.
وأما الانتقال عن الحكم فلأنه إنما يلزمه الانتقال إذا سلم له الحكم الأول ولم يثبت الخلاف فيه، وهذا يؤكد قصده من علته لأنه علل لإثبات ما ادعى من الحكم، وقد ثبت إلا أنه لم يكن على الخلاف، وكان الاختلاف في حكم آخر فإن أمكنه إثبات ذلك الحكم بهذه العلة فحسن، وإن لم يمكنه إلا بعلة أخرى فحسن لأنه ما ضمن بعلته الأولى إثبات حكمين.
وأما الوجه الثالث: فهو الانتقال من العلة والحكم إلى علة أخرى وحكم آخر، فهو صحيح لما ذكرنا أن عوضه قد حصل، وهو إثبات الحكم الذي ادعى بتلك العلة، إلا أنه زعم أنه على الخلاف.
وأما الوجه الرابع: فمن الناس من زعم أنه غير قبيح لأن إبراهيم عليه السلام حاج اللعين بقوله: {ربي الذي يحي ويميت} فعارضه اللعين بقوله: {أنا أحي وأميت} فقال إبراهيم: {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب} فانتقل إلى حجة أخرى، وحكى الله تعالى عنه على وجه المدح دون الذم، وكذلك المدعي يقيم بينة فتجرح فيقيم أخرى، وعامة أهل النظر سموا هذا انقطاع في المجلس، لأنا لو أطلقنا هذا لطال المجلس ولما ظهر الانقطاع، ومجالس النظر