القول في المشروعات الدينية الجائزة بالعقول ثبوتها وسقوطها وظهر
التناسخ فيها شرعاً ولم يدم وجوبها
اختلف العلماء في حكم دلالات العقول على هذه المشروعات الدينية لولا الشريعة على أقوال أربعة:
فقال قائلون: الاشتغال به لغو لأن الله تعالى لم يدعنا والعقول بمجردها.
وقال بعضهم: هذه المشروعات كلها تكون حسنة بالعقول لولا الشريعة لا تزيد على صفة الحسن بدلالة العقل.
وقال بعضهم: أما العبادات فكانت تجب دائمة لولا الشرع لا راحة عنها إلا عند عدم الإمكان كالإيمان بالله تعالى وإنما سقط لا لضرورة بالشرع تيسيراً، وإليه ذهب بعض الصوفية.
وأما العقوبات المعجلة فما وجبت إلا شرعاً.
والمختار عندنا أن على العبد بمجد العقل أن يؤمن بالله تعالى ويعتقد وجوب الطاعة على نفسه لله تعالى على أوامره ونواهيه وإنه خلقه لعبادته لكنه يقف نفسه للبدار إلى ما يأمره وينهاه من غير أن يقدم على شيء منه بالاستباحة تعظيماً لله تعالى، لا لقبح هذه المشروعات قبل الأوامر بل مع معرفة حسنها بدلالات العقل، وهو مذهب علمائنا-رحمهم الله-ولهذا كان بعث الرسل-صلوات الله عليهم-على الله تعالى حقاً واجباً ليمكنهم الإقدام على العبادة، الوقف للطاعة ضرب عبادة ما فيها تميل للعقل فكان يلزمه ذلك بمجرد العقل مع اعتقاد أنه مخلوق للعبادة المطلقة فإنها مجملة وأن الله تعالى يبين له ذلك.
أما القول الأول فعلى ما مر.
وأما الثاني: فلأن العبادة اسم لما حسن فعلها في الشاهد تعظيماً للمعبود فليزمه اعتقاد فعلها على أنها حسنة، وسأتي بها على هذا الوصف.
وأما الوجوب فلا يثبت إلا بالشرع.
وأما الثالث: فلأن العبد لله تعالى بنفسه ومنافعه، وقد علم بدلالة عقله أنه مخلوق لعبادته فيصير صرف نفسه ومنافعه إلى العبادة أصلاً دائماً، كما في الإيمان إلا إذا لم يمكنه.