المعارضة إنما تكون بين آيتين، أو آية قرأت بقراءتين، أو آية وسنة ثابتة، أو خبرين رويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راويين، أو راوٍ واحد.
لما ذكرنا أن المعارضة بين النصوص إنما تثبت إذا كانا بحيث لو علم المتأخر منهما كان ناسخًا للأول، والنسخ يثبت بهذه الطرق على ما نذكر.
فأما المخلص منها فأول ما يطلب من جهة الحكم لأن التعارض إنما يكون بتدافع الحكمين فلا بد أن يكون المدفوع بالآخر ما كان ثابتًا بالأول لتتصور المعارضة، فإذا أمكنك بيان أن الذي تصور مدفوعًا ظاهرًا غير ثابت بالنص بل هو غيره بطلت المعارضة كما في قوله تعالى:{لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمن} فإنه عندنا عبارة عن عقد اللسان دون القلب وقوله: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} لا يدفع هذا وإن نص على القلب لأن حكم العقد مؤاخذة معجلة في الدنيا، وحكم كسب القلب مطلق المؤاخذة والمطلق ما يكون في الآخرة لأنها خلقت للجزاء الوفاق فأما الدنيا فقد يؤاخذ فيها وقد لا، لأنها خلقت للابتلاء لا للجزاء فيكون الكسب بالقلب علة لحكم لم يتعرض له عقد اللسان فلا يجوز حمل أحدهما على الآخر لما بطل التدافع.
فإن لم يوجد ذلك يتخلص بالحال نحو قوله تعالى:{ولا تقربوهن حتى يطهرن} بالتخفيف ويطهرن بالتشديد والأطهار: الاغتسال، والطهر انقطاع دم الحيض في اللغة، والتحديد بكل واحد غير ممكن فيتخلص عنه بالحال فتحمل الآية المخففة على أكثر أيام الحيض، والمشددة على ما دون أيامها فيبطل التعارض باختلاف الحالين، وصيرورة هذا في حالة غير الأولى فإن لم يوجد ذلك وجب التخلص بالتاريخ إن عرف فيجعل آخرهما أولى لما ذكرنا أن المعارضة إنما تثبت إذا كان الآخر مما ينسخ الأول فإذا عرف الناسخ بطلت المعارضة.
فإن لم يوجد ذلك وجب التخلص بتعيين الناسخ منهما بظاهره نحو أن تثبت إحدى الحجتين حكمًا، كان عرف ثبوته والأخرى رفعًا لذلك الحكم فالرافع يكون أولى ويجعل الذي يبقى ما كان إذا جهل التاريخ متقدمًا والآخر متأخرًا.