أفعال النبي صلى الله عليه وسلم عن قصد على أقسام أربعة: واجبة، ومستحبة، ومباح، وزلة.
فأما ما كان يقع من الأفعال من غير قصد كما يكون من النائم والمخطئ ونحوهما فلا عبرة بها، لأنها غير داخلة تحت الخطاب على ما نذكر.
ثم الزلة لا تخلو عن القران ببيان أنها زلة إما من الفاعل نفسه كقول موسى عليه السلام حين قتل القبطي بوكزته {هذا من عمل الشيطان}، أو من الله تعالى كما قال في آدم عليه السلام {وعصى أدم ربه فغوى}، وحتى بين الله تعالى ما لولا عصمته لزلوا كما قال:{ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلًا} ونعني بالقصد في الزلة قصد الفعل لا قصد العصيان، وإذا لم تخل الزلة عن البيان لم يشكل على أحد أنه مما لا يتبع النبي صلى الله عليه وسلم فيها فتبقى العبرة للأنواع الثلاثة.
وقد اختلف أهل العلم فيما يلزمنا منها؟
فقال بعضهم: يلزمنا اتباعه فيها ما لم يقم دليل المنع.
وقال بعضهم: نقف فيها حتى يقوم الدليل.
وقال أبو الحسن الكرخي: نعتقد الإباحة حتى يقوم دليل بيان سائر الأوصاف. وإذا قام الدليل على وصف زائد كان النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصًا به حتى يقوم دليل المشاركة.
وقال أبو بكر الرازي: نعتقد الإباحة ما لم يقم دليل البيان على صفة فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يلزمنا على ذلك الوصف حتى يقوم دليل اختصاصه به، وهو الصحيح عندنا.
فأما الأولون فإنهم احتجوا بالآيات الموجبة اتباع الرسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعته والاقتداء به، وبقوله:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره} فالمراد به السمت كما قال الله تعالى: {وما أمر فرعون برشيد}.
وأما الفريق الثاني فإنه زعم أن الاقتداء والاتباع والموافقة لا تحصل بنفس الفعل، ألا ترى أنك إذا حصلت مثله على سبيل المعارضة كنت منازعًا كسحرة فرعون مع موسى عليه السلام وإذا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم نفلًا. وفعلته أنت فرضًا كنت مخالفًا، وإنما الاقتداء في فعلك مثل فعله على صفته طاعة له، والصفة للفعل كانت محتملة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل