للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باب

[القول في أحوال قلب الآدمي قبل العلم، وأحواله بعد العلم]

قال القاضي-رحمه الله-:يولد الإنسان وهو نظير المجنون في عدم العقل، ليس معه قدرة التمييز التي بها خوطب الإنسان بهذه العلوم، وضده العاقل لا العالم ثم يصير عاقلاً.

والعقل: عبارة عن نور في الصدر به يبصر القلب إذا نظر في الحجج كالشهاب للعين، ومع هذا النور يبصر القلب الأمور الغائبة عن الحواس إذا نظر في الحجج، كما أن العين إنما تبصر مع نور الهواء إذا نظر فيصير الإنسان إذا عقل قادراً على النظر لكنه على جهل ما لم ينظر، وضد الجهل العلم.

ثم ينظر نظراً ضعيفاً فيصير شاكاً، والشك ضد اليقين، وذلك كالشيء يبدو للعين إذا نظر إليه بدواً غير قوي فلا يميز الناظر إليه بين حقيقة وجود لا شيء، وبين جبال تمثل للعين، أو علم بحقيقة الوجود، ولكن احتمل أن يكون زيداً أو عمراً فيشك فيما رأى ولن يكون الشك إلا بإحتمال الأدلة، ونظيره الريب.

ثم ينظر نظراً فوق ذلك غير تام فيصير ظاناً، والظن في اعتقاد القلب أحد وجهي الشك برجحانه على الآخر بهوى النفس، لا بدليل هو دليل على الحقيقة كظن الكفرة الأصنام آلهة، والملائكة بنات الله ونحوها من اعتقادات كانت لهم بلا دليل.

قال الله تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئاً} ولهذا صح استعارة الظن للعلم فإن مثل تلك الرؤية للقلب إذا كان عن دليل كان علماً وحقاً على ما نذكره.

وضد الظن الحق كما قال الله تعالى: {وإن الظن لا يغنى من الحق شيئاً}.

فهذه أحوال أربعة للقلب قبل العلم، وقبل النظر في الحجج نظراً على وجهه، فإذا صار النظر على الوجه وميز بين الدليل وما ليس بدليل وطلب الرجحان لأحد وجهي الشك بالحجة وترجح ومال القلب إليه من غير يقين فذلك مبدأ العلم بغالب الرأي؛ كالعلم الذي يقع بالمقاييس والاجتهادات التي تحتمل الخطأ وأخبار الآحاد ونحوها من الأدلة المجوزة على ما مر القول في بيانها.

وهذه الحالة تسمى علماً لكنه على سبيل المجاز لقيام شبهة الخطأ واحتمال مع هذا الدليل.

<<  <   >  >>