للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باب

القول في حين أهلية الآدمي لوجوب الحقوق المشروعة عليه، وهي الأمانة التي حملها الإنسان

قال القاضي رحمه الله: لا خلاف أن الآدمي يخلق هو أهل لإيجاب الحقوق عليه كلها.

فإنه يخلق وعليه عشر أرضه وخراجها بالإجماع، وعليه الزكاة على قول أهل الحجاز.

وإنما اختلفوا فيما سقط عنه بعذر الصبا كما يسقط عن الحائض الصلاة بعذر الحيض، لا لأنها ليست بأهل للإيجاب عليها فإن الصوم قد لزمها وهذا لأن الآدمي من أهل الوجوب عليه بالذمة فمحل الوجوب الذمة يقال: وجب في ذمته كذا، ولا يضاف الوجوب إلى غيرها.

والآدمي كما يخلق يخلق وله ذمة ألا ترى أن الطفل إذا انقلب على مال فأتلفه يلزمه ضمانه بخلاف البهيمة، وكذلك يلزمه مهر امرأته وسائر حقوق الناس، وإنما عرف وجوبها بالشرع.

ولأن الذمة عبارة عن العهد في اللغة فالله تعالى لما خلق الإنسان لحمل أمانته أكرمه بالعقل والذمة حتى صار بها أهلاً لوجوب الحقوق له وعليه فثبت له حق العصمة والحرية والمالكية بأن حمله حقوقه وثبت عليه حقوق الله تعالى التي سماها أمانة ما شاء كما إذا عاهدنا الكفار وأعطيناهم الذمة يثبت لهم حقوق المسلمين وعليهم في الدنيا.

والآدمي لا يخلق إلا وله هذا العهد والذمة فلا يخلق إلا وهو أهل لوجوب حقوق الشرع عليه كما لا يخلق إلا وهو حر مالك لحقوقه وإنما يثبت له هذه الكرامات بناء على الذمة، وحمله حقوق الله تعالى.

ولأن هذه الحقوق الشرعية التي تلزم الآدمي بعد البلوغ تجب بلا اختيار منه جبراً شاء أو أبى.

وإذا لم يتعلق الوجوب عليه باختياره وتمييزه لم يفتقر الوجوب إلى قدرة العقل، ولا قدرة التمييز ألا ترى أن الصالة تلزم النائم والمجنون على أصلنا إذا كان الجنون أقل من يوم وليلة.

فإن قيل: الوجوب مما يثبت بلا اختيار منه، ولكن سببه الخطاب فإنه لا يصح قبل العقل.

<<  <   >  >>