قال القاضي رحمه الله: نبدأ بالشروط لأن الركن لا يعمل إلا معها وهذا كالرجل يريد النكاح فسبيله أن يبدأ بإحضار الشهود، وكذلك من يريد الصلاة فسبيله أن يقدم الوضوء ويستر العورة.
وجملة شروط القياس الصحيح أربعة.
أن يكون الأصل غير مخصوص بحكمة بنص آخر.
وأن لا يكون الحكم معدولًا به عن القياس.
وأن يتعدى الحكم الشرعي بنص بعينه إلى فرع هو نظيره ولا نص فيه.
وأن يبقى حكم الأصل المعلول بعد التعليل على ما كان قبل التعليل.
أما الأول: فلأنه متى ثبت اختصاص الحكم بنص آخر لم يجز إبطال الخصوصية الثابتة بالنص الآخر بالقياس لأن القياس ليس بحجة في معارضة النص على ما مر.
وأما الثاني: فلأن حكم النص متى ثبت على وجه يرده القياس الشرعي لكنه ترك بمعارضة النص إياه ومجيئه بخلافه لم يجز إثباته في الفرع بالقياس كالنص إذا جاء نافيًا لحكم لم يجز إثباته به، وكذلك لا يجوز إثبات التحريم في عين بنص جاء محللًا إياه.
وأما الثالث: فلأن المقايسة هي المحاذاة بين الشيئين فلا يتصور ثبوتها في شيء واحد ولا إذا لم يكن نظيرًا، ومتى لم يتعد الحكم إلى فرع بقي الأصل وحده، ولا يكون النظر لإثبات الحكم فيه مقايسة فعلمت أن محل المقايسة حادثتان ليسوى بينهما بالمقايسة، ومحل ما ينفعل فيه الأقوال والأفعال شرط لصحتها في كل باب كالحي شرط ليكون صدمته ضربًا، وقطعه قتلًا.
فأما كون الحكم شرعيًا فلأن الكلام مفروض في القياس على أصول ثابتة شرعًا، ولا يعرف بالتأمل فيها ما كانت ثابتة لا شرعًا كما لا يعرف بالتأمل في أصول الشرع أحكام الطب واللغة.
وأما الرابع: فلأن النص فوق القياس فلم يجز استعمال القياس لتغيير حكمه بوجه، ولأن الرأي مشروع حجة بعد النص فلم يبق حجة حيث ثبت فيه النص على سبيل المعارضة بحال ما.