وفيها إشارة إلى صحة الصوم مع الجنابة فإن من ضرورة الجماع إلى النهار أن يصبح جنباً وقد أمر بالصيام بعد ذلك.
وكذلك قوله تعالى:{ثم أتموا الصيام إلى الليل} نص على وجوب الصوم نهاراً وفيه إشارة إلى تأدي الصوم بالكف عن الأكل والشرب والجماع لأن الآية سيقت لبيان قسمة الزمان للفطر والصوم إذ الصوم لا يمكن وصالاً فلا بد من أن يكون الزمان في حقه قسمين.
فقسم الليالي للفطر وجعل العلم عليه علة فعل الجماع والأكل والشرب فكانت القسمة إشارة إلى أن العلم على قسم الصوم ضده وهو الكف عن الأكل والشرب والجماع فيصير بإشارة النص الكف عنها نمطاً وركناً به يتأدى الصوم ضرورة معرفة ضد الشيء بعلم هو ضد علم الآخر.
وقال الله تعالى في كفارة اليمين:{فكفارته إطعام عشرة مساكين} إلى قوله: {أو كسوتهم} فكانت الآية بكلمة أو نصاً على أن الواجب أحد الفعلين والخيار إلينا.
وبكلمة الكسوة إشارة إلى أن تمليك الكسوة شرط دون تمليك الطعام لأن الواجب علينا فعل التكفير كما في العبادات فحقوق الله تعالى قبلنا أفعال ابتلانا بإقامتها أو الكف عنها، وقد شرع التكفير بالطعام بالفعل وهو الإطعام كما شرع التكفير بالتحرير فصار الواجب الفعل الذي يسمى إطعاماً لغة إلا أن لا يصلح فنزيد ضرورة ما فيه الكفاية.
والإطعام اسم لفعل يتصف به الغير بطاعم فمتى اتصف الغير بطاعم بتسليط من قبل إنسان كان المسلط مطعماً لغة لأنه متعدي من طعم كالإجلاس متعد من جلس وذا القدر يكفي للتكفير لأن ملكه يتلف بالإطعام إذا تم.
والكفارة قد شرعت بإتلاف الملك بالتمليك كالتحرير فلم تجز الزيادة.
وشرع الآخر بلفظ الكسوة، وهو اسم لما يكتسى لا لفعله والتكفير فعله فاضطررنا إلى زيادة فعل منه لتصير الكسوة كفارة لذلك الفعل، وإنما تصير الكسوة كفارة بفعل يخرج الكسوة عن ملكه لأن التكفير يكون بالإخراج عن ملكه إلى ملك غيره.
وقد يكون بالإخراج لا غير وهو الأدنى وبأن يكسو الفقراء عارية لا يخرج عن ملكه فلا يكون فعل تكفير وقد اضطررنا إلى ما يخرج، وما ذلك إلى إخراج بتمليك فتزيد ضرورة وإشارة بلفظة الإطعام والكسوة إلى أن المصروف إليه صار أهلاً لحاجته إلى الطعام والكسوة لأن الله تعالى ما شرع صلة مالية إلا للحاجة إليها.