ولا فرق عندنا بين التخصيص بوصف وبين التخصيص باسم العلم لا لأن اسم العلم إذا لم تعقل علته يصير بمنزلة العلة، والعلة لابتداء الوجوب فلا يكون الانعدام قبل الابتداء بسبب باقي وهذا حكم الشرط والقيد عندنا على ما بينا فصار زيادة القيد، وزيادة عدد أيام الصوم والمساكين بمنزلة واحدة على هذا الوجه فلما لم تثبت زيادة العدد في كفارة اليمين، فكذلك زيادة الوصف وكان يجب على هذا القياس أن تصير أعداد ركعات الصلاة على نمط واحد.
ولما تعلق جواز الجمعة بزيادة صفة الجماعة إن وجب أن تثبت شرطاً في سائر الصلوات فإنها جنس واحد على أن الكفارات أجناس مختلفة حكماً لاختلاف أجناس أسبابها.
وكذلك صفة التتابع زيد في كفارة القتل ولم يزد على صوم كفارة اليمين، وليس في الكفارات ما قيد بصفة التفريق ليمتنع الحكم به بحكم المعارضة.
وكذلك الجواب عندنا في الحكم المطلق أنه على إطلاقه والمقيد على قيده في الحادثة الواحدة بعد أن يكونا حكمين.
قال أبو حنيفة –رضي الله عنه- فيمن كفر عن ظهاره بالصيام وجامع التي ظاهر عنها ليلاً: استقبل الصيام لقول الله تعالى: {من قبل أن يتماسا} وكذلك قال أبو حنيفة –رضي الله عنه-: لو كفر بالعتق فأعتق نصف عبده ثم جامعها ثم أعتق البقية لم يجزه، وعليه الاستقبال لأن الله تعالى قال:{فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا}، وبمثله لو كفر فأطعم ثلاثين مسكيناً ثم جامعها ثم أطعم ثلاثين مسكيناً أجزأه لأن الله تعالى لم يقل فيه {من قبل أن يتماسا}.
فإن قيل: إنكم زدتم صفة التتابع في كفارة اليمين حملاً على كفارة القتل.
قلنا: لا هكذا، ولكن بقراءة عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه-: {فصيام ثلاثة أيام} متتابعات وقراءته كانت رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت مشهورة في السلف فجوزنا الزيادة على النص بها كما جوزنا النسخ بمثلها من أخبار الآحاد.
فإن قيل: ألا جعلتهما كنصين فعملت بكل واحد منهما فجوزت المتابعة بقراءة عبد الله بن مسعود، والمطلقة بقراءة الجماعة، كما قلت في صدقة الفطر عن العبد الكافر أنه يجب بالنص المطلق باسم العبد، وعن المسلم بالنص المقيد بالإسلام؟
قلنا: لأن القيد هاهنا ورد على الوجوب باليمين، وأنه حكم واحد إذا قيد لم يبق غير مقيد وفي باب صدقة الفطر ورد القيد على سبب الوجوب، ويجوز أن يكون لواجب واحد سببان فأثبتنا المقيد بقيده سبباً والمطلق بإطلاقه سبباً آخر.
فإن قيل: أليست العدالة شرطاً في باب الشهادات أجمع، فالله تعالى قيد بالعدالة بعضها.