بذلك البيان إلا بعدد لم يقع الحذر إلا بزيادة فيكون نسخاً ولا يكون تأويلاً، ألا ترى ان الله تعالى ما ذكر الشهادة للعمل بها إلا مقرونة بالعدد وما ذكر عدداً في باب الدين، وعلى ان الشاهد إذا علم أنه لا شاهد غيره لا يلزمه الأداء وظاهر الآية يدل على وجوب البيان على الآحاد.
وكذلك قوله تعالى:{كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} وإنه يتناول الآحاد فصار الأمر من كل واحد أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر بنص الكتاب فيجب القبول منه.
ووجه آخر أنا نعلم يقيناً أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعيش إلا بأكل، وما كان يزرع بنفسه ليعلم طيبة الخارج يقيناً بل كان يأكل مما يهدى إليه أو يشتري أو يدعى إلى طعام على ما يخبره الخبر من غير نزول وحي في كل ذلك حتى أكل الشاة المصلية فلم يسغها فسأل عن شأنها فأخبروه بالقصة فأمر بالتصدق.
ووجه آخر انا نعلم يقيناً أنه كان مبعوثاً إلى الناس كافة، وإنه لم يأت الجميع بنفسه وإنما أرسل إليهم، وكتب وأنه أدى ما حمل من الأمانة فلو لم يكن خبر الواحد حجة أو الكتاب، لما كان ذلك تبليغاً، ولكان تجنب الأمانة وهذا غير جائز.
ووجه آخر أنا نعلم يقيناً أن المخدرات ما كن يحضرنه لتعلم الدين وكن يعلمن من جهة أزواجهن، والقوام عليهن، ولو لم يكن خبرهم حجة للزمهن الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو فعلن لاشتهر ذلك كما اشتهر اجتماع الرجال ولم يخف.
ووجه آخر هو أن البلاد النائية افتتحت على عهده مثل بلاد اليمن والبحرين وما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه بل بعث إليهم من علمهم، وهداهم من الخلفاء على مثال سير الملوك في ولايتهم اليوم فلو لم يكن خبر الواحد حجة لما جاز ذلك وللزمهم الخروج بأجمعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو وجد ذلك لكان أمراً مشهوراً ظاهراً لا ينكتم على أحد.
ووجه آخر ان الله تعالى جعل الشهادات حجة موجبة حتى لو امتنع القاضي عن العمل بها فسق وهي لا توجب علم اليقين فدل على أن العمل واجب بالحجة أوجبت علم يقين أو ظاهر يحتمل غيره.
فإن قيل: باب الديانات أعظم من باب معاملات الناس في حقوقهم!
قلنا: لزوم القاضي أن يعمل بالشهادة من الدين ويجب حقاً لله تعالى، وفرضاً من فروضه حتى إذا تركه فسق وأثم [برفضه]، ولو لم ير العمل به حقاً كفر، وحق العبد سبب للوجوب حقاً لله تعالى كما تجب الزكاة حقاً لله تعالى بسبب ماله فما بينهما فرق بل هذا فوق ذلك ثبوتاً على ما نذكر بعد هذا، فإنا نشترط العدد في الشهادات دون الأخبار.