للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يضرك؟ فقال عمر: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ففيم إذًا".

وقال للخثعمية وقد سألته عن الحج عن أبيها؟ "أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أما كان يجزيك؟ فقالت: بلى. قال: فدين الله أحق" فهذا فتوى بمحض القياس، فلا يجوز أن يحمل على نص لم يظهر لما مر أنه لو جاز ذلك لتعطلت الحجج، ولن نكلف إلى بالأخذ بما ظهر وما ظهر لنا من السبب إلا القياس الذي ذكره.

وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور الصحابة في أمر جماعة الصلاة فلم يتفقوا على شيء حتى رأى عبد الله بن زيد الرؤيا وقصها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيه وأمر بذلك فصارت شريعة. ولا يجوز أن يحمل على وحي لأنه لم يظهر ذلك.

ولأن عمر رضي الله عنه جاء وأخبر أنه رأى مثل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم "الله أكبر" وذلك أثبت فاستدل برؤيا عمر على الثبوت فلا يتوهم أن يكون عنده نص فيكتمه.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان منهيًا عن كتمان الوحي وأمر بأن يبين للناس ما نزل إليهم.

وكذلك سليمان أفتى في غنم القوم بالرأي وداود معه وأصاب سليمان، وقوله: {ففهمناها سليمان} دليل مؤكد على أنه عمل بالرأي.

ولكن الصواب كله مضاف إلى الله تعالى وكذلك أفتى داود عليه السلام عن سؤال الخصمين في باب النعاج بالرأي فإنه أجاب كما سئل ولم ينتظر وحيًا.

وقال الله تعالى لرسوله: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} فتبين أنه كان أذن بالرأي.

وكذلك الإجماع قد انعقد على عمله بالرأي في باب الحروب.

وكذلك سائر الأبواب لأنه كان يوحى إليه في الأبواب كلها فعلم أن الوحي لا يسد باب الرأي بل يقويه.

وباب الحرب أصل الدين لأنا لم نؤمر به إلا لإعلاء كلمة الله تعالى.

ولأن كون الرأي حجة لنا في باب الدين والأحكام من أشرف المراتب إذ باب الوحي متناهي وباب الرأي غير متناهي.

وفي قصر الأمر على الوحي ضرب حجر، وفي العمل بالرأي ضرب إطلاق فلا يجوز أن يحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم شرف الإطلاق وعموم الحجة، لكن فيه ضرب نقصان من حيث خوف الخطأ فكان الرسول صلى الله عليه وسلم مصونًا عنه فكان لا يقع رأيه الذي يقر عليه خطأ، لأن المشاهدة تحققت له حكمًا بالوحي، وكان هو من الله تعالى مثل صحابي يتكلم

<<  <   >  >>