وأما أبو الحسن فإنه يقول: قول الصحابي ليس بحجة إذ لو كان قوله حجة لدعى الناس إلى قوله كالنبي صلى الله عليه وسلم، وكالأمة لما كان إجماعهم حجة دعوا سائر الأمم إلى ما أجمعوا عليه.
وروي عن عمر أنه كتب إلى شريح:"أن اقض بكتاب الله، ثم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم برأيك". ولم يقل بقولي.
ولا معنى لقولهم: إن معناه برأيك في أقوالنا، لأنه حمل على زيادة قيد لم يذكر وهذا عندنا نسخ وليس بتأويل. ولأن الرأي واحب استعماله في آيات الكتاب، وأخبار الرسول عليه السلام وقد تقدم ذكرهما فصار كأنه قال: برأيك فيهما.
ولأنه ظهر من شريح الحكم بخلاف رأي علي رضي الله عنه بين يديه.
وعن مسروق أنه أفتى فيمن نذر أن يذبح ولده بذبح شاة، وخالف فيه ابن عباس، ورجع ابن عباس رضي الله عنه إلى قوله.
ولأن رأي الصحابة كان حجة بالنظر في أصول الشرع الثابتة بالنص لا بالوحي وكان يحتمل الغلط، ولهذا كان يخالف بعضهم بعضًا ويرجع الواحد منهم عن فتواه إلى فتوى غيره وكان يقول المجتهد منهم: إن أخطأت فمن الشيطان، ولما احتمل الخطأ لم يصر حجة يجب تقليدها لا محالة.
ولما ساغ لهم ذلك بالنظر في النصوص وهم وغيرهم إذ بلغهم النصوص وعقلوا معانيها سواء إذا استوت آراؤهم.
ألا ترى أنهم إذا اختلفوا في تأويل النص ساوى تأويل غير الصحابي الصحابي لأنه يصار إليه بالوقوف على معنى اللغة وهم وغيرهم فيه سواء.
فكذلك إذا اختلفوا في التعليل وذلك يعرف بالوقوف على المعاني التي عرفت بالشرع أعلامًا على الأحكام، ولا معنى لترجيحهم على غيرهم لسبقهم في الفتوى واختصاصهم بزيادة توفيق من الله تعالى لأن مثله ثابت بين التابعي ومن بعده، وللصالحين من بعدهم، وهذا لأنه أمر باطن ولم نتعبد بالبناء على البواطن وإنما تعبدنا بما نقف عليه مما يظهر لنا من علم الرجل بأصول الشرع وحسن قياسه على النظائر بعبارة لسانه، عما أحاط علمه به.
ولا يجوز أن يقال إنه كرامة تثبت نصًا على ما رووا لأن النص عم الصحابة، وفيهم من لا يجوز تقليدهم بالإجماع كالأعراب فثبت أنه أراد به أهل البصر منهم، وأهل البصر عملوا بالرأي بعد الكتاب والسنة فيجب الاقتداء بهم في ذلك.