قال علماؤنا- فيمن حلف لا يخبر أن فلاناً قدم فأخبر كذباً: حنث ولم يفد علماً.
وكذلك إذا حلف لا يكتب أن فلاناً قدم فكتب باطلاً؛ حنث وإن لم يفد علماً بما قال.
لأن العلم فيه ثمرته المطلوبة منه بحكمة الوضع لا أنه من نفسه وأنه لا يتم بدونه كما في الكتابة.
بخلاف الإعلام فإنه فعل لا ينفعل إلا بوجود العلم.
وبخلاف ما إذا حلف لا يبيع فباع حراً لم يحنث لأن البيع ليس من أقسام التكلم إنما هو اسم لسبب تمليك بالمال، وانه عبارة عن قوله: لا يملك مالاً بمال فلا ينفعل تمليك المال في غير المال، كما لا ينفعل التكلم في غير الحروف التي يدور عليها الكلام غير أن هذا السبب مما ينفعل بالكلام فيكون آلة في نفسه بفوات ثمرته فإنه يحنث بالبيع الخاسر، فكذلك التكلم بالإخبار لا ينعدم بفوات ثمرته من الإعلام.
وأما الأمر: فتكلم بقولك: افعل وانفعاله بحروفه.
وأما بيان أنه مما ينبغي أن يوجد بحكمه الأمر كالصدق من الأخبار الذي فيه وجود المخبر عنه لأن الأمر أحد أقسام تصاريف الفعل على ما ذكرنا فتكون الفائدة منه على مثال سائره.
وقولك "قدم زيد" لفائدة بيان وجود قدومه، ويقدم لبيان أنه سيوجد فكذا أقدم لبيان أنه مما ينبغي أن يوجد منه حتى لا يستقيم في الحكمة أن نقول للعمى: أبصر لأنه لا يتصور وجوده منه.
ولما كان وجود فائدة الحكمة صح وضع الأمر لغة لكل فعل يتصور وجوده منه في نفسه، وإن وجب أن يعدم في الحكمة كالسفه والعبث وإذا كان الأمر لهذا الضرب من البيان كان النهي الذي هو خلاف الأمر لبيان ضده، وهو: بيان أنه مما ينبغي أن لا يكون وأن يعدم إلا أن حقيقة إعدام الفعل لا يتصور لأن الموجود منه عرض انقضى، فلا يتصور إعدامه.
وما لم يوجد كذلك لا يمكن أن يعدم ولكن يعدمه بالامتناع عن إيجاده فصار الامتناع حكمه وكان النهي للمنع عن الفعل لغة فيلزمه بالنهي ما يتعلق بعده انعدام ذلك الفعل منه، كما يلزمه بالأمر ما يوجد منه ذلك الفعل.