ثم قلنا إن الماء طهور لأعضاء المحدث في حق الصلاة دون الخل، لأن هذه الطهارة لم تجب بإزالة النجاسة بل وجب باسم الماء عرف طهورًا في حقها بالنص فلم تتعد إلى الخل.
وتعليلنا بالإزالة لم يوجب قصر الحكم على العلة في النص بل وجب الحكم بالطهارة باستعمال الماء بالماء المنصوص عليه كما قبل التعليل، ووجب في الفرع بالعلة ليعلم أن التعليل ليس إلا لتعدية الحكم إلى ما لا نص فيه، وإنه لغو اعتباره مع النص سواء كان النص في الفرع أو الأصل المعلول.
فإن قيل: أليس عللتم خبر الربا بالكيل وخصصتم به القليل، والنص جاء باسم الحنطة بالحنطة من غير تخصيص.
قلنا: إن النص جاء بالحنطة هي مثل بمثل كيل بكيل لا بحنطة مطلقة لأن قوله: "كيل بكيل" تفسير لما ذكرنا من الحنطة بالحنطة، ولا يتصف بالكيل القليل، وكثير من الإشكالات تزول بمحافظة ما قلنا: إن النص وإن علل بعلة صحيحة فالحكم في الأصل المعلول لا يجب بالعلة بل بالنص كما قبل العلة فيثبت مع انعدامها باسم النص على ما بينا فلا يكون ذلك قدحًا في العلة لجواز بقاء حكم العلة مع انعدامها بعلة أخرى، فكذلك جاز بقيام النص.
بل الممتنع الفاسد ما قاله الشافعي أن خبر الربا معلول بالطعم، والربا في النص ففضل ذات بقدر الكيل لأنه قال صلى الله عليه وسلم:"الحنطة بالحنطة مثل بمثل كيل بكيل والفضل ربا" والفضل بعد المساواة كيلًا بكيل لا يكون إلا بفضل أحدهما على الآخر بكيله أو نقصانه عنه وبعلة الطعم يحرم فضل من حيث أجزاء الذات والصورة لأنه يتعدى إلى ما لا يكال فلا يتصور فيه فضل ذات بقدر الكيل.
وما روي أنه نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا سواء بسواء تحريم يسقط بالتسوية بينهما والتسوية بين الشيئين إنما يكون بالتصرف في أحدهما لأن المفاضلة بين الشيئين في قدر الكثرة لا تكون إلا بزيادة أحدهما على الآخر.
فالتسوية لا تقع إلا برفع تلك المفاضلة، وذلك بنقص الزائد أو زيادة الناقص فصار الحكم وهو الحرمة حرمة تزول بالتصرف في أحد العوضين بنقصان أو زيادة، وهو بالتعليل بالطعم يعدي حرمة إلى فروع لا تزول بالتصرف في أحدهما فلم يعد حكم النص بعينه بل غير وصفه وأنه فاسد بلا خلاف فثبت أن النظر في شروطه صحة التعليل وخاصة في الحكم باب عزيز الوجود كثير الفقه وإن من وفق للنظر في هذه الشروط وسبر العلل بها وجد أكثر علل الأحداث هباء، والله أعلم.