دليلًا في الباب للبقاء لأن الثابت بدليله مستغنٍ عن الدليل للبقاء إذا كان في نفسه مما يبقى كالأحكام والجواهر والعلل كالعدم قبل الوجود كان بقاؤه مستغنيًا عن الدليل، وإنما الأعراض هي التي لا تبقى زمانين، وإنما تبقى بالترادف والتوالي فيكون كل جزء منه حادثًا ابتداء فيحتاج إلى علة حسب حاجة الأول إليه في عموم الأزمنة.
وهذا كالنكاح إذا صح، وأوجب الملك بقي بلا دليل، وإذا طلقها فبانت منه بقيت الحرمة بلا دليل، وإذا كان كذلك صار الدليل الموجب للعدم أو للوجود دليلًا على البقاء في عموم الأزمنة محتملًا لخصوص بعض الأزمنة بدليل يغيره كالنص العام دليل على العموم محتمل للخصوص بدليل يخصه، فيكون دليلًا على العموم حال عدم دليل الخصوص.
فكذلك ما نحن فيه يكون الدليل المثبت دليلًا على الثبات في عموم الأزمنة حال، لا دليل على ما ينفيه بعد الوجود أو يوجده بعد العدم قال الله تعالى:{قل لا أجد في ما أوحي إلي محرمًا} الآية علمنا الله تعالى الاحتجاج بلا دليل لأن الحل يثبت بدليله في الجملة.
وقال الشافعي: الصلح على الإنكار فاسد لأن المنكر متمسك بأصل ثابت بدليله، وهو براءة ذمته في أصل الخلقة عن الديون، فكان إنكاره دليل الوجوب عليه حجة له على خصمه في إبقاء تلك البراءة، فلما ثبتت البراءة على الخصم لم يصح الصلح كما بعد الحلف، وبمثله لو شهد رجل على رجل بأنه أعتق عبده، وأنكر الآخر ثم باعه من الشاهد صح البيع لأنه متمسك بأصل ثابت له بدليله، وهو الملك فصار لا دليل على الزوال حجة له على خصمه فصح البيع منه لزوال سبب الفساد من الجانبين جميعًا بدليل الصحة، كما أفسد في الفصل الأول لقيام دليل.
ثم هذه المسألة تدل على أن الشافعي لم يشترط لصحة العلة التأثير، فقد ألزم الخصم حكم الفساد أو الجواز بقوله: لا دليل عندي على زوال ذلك الأصل، ولا أثر لعدم الدليل عنده على العدم عند خصمه بوجه، بل الانعدام في حق كل إنسان يكون من قبل جهله بالأدلة، وتركه طلبها من طرقها.
وأما الرابع: فمذهبنا، فإنا جوزنا الصلح على الإنكار، لأن قول المنكر ليس بحجة على المدعي، كقول المدعي على المنكر، ولا دليل على شغل الذمة لا يكون حجة للمنكر على المدعي كقول المدعي: المال ثابت بدليله، لم يكن حجة على المنكر فبقي المال ثابتًا في حق المدعي في ذمة المنكر أو يده.
والبراءة ثابتة في حق المنكر على حسب قيام الدلالة عندنا، وهو خبر كل واحد منهما فإنه حجة في حق نفسه دون خصمه، ولما كان المال في حقه ثابتًا يكون خبرة حجة في حقه شرعًا صح اعتياضه وإن عارضه خبر المنكر، لأن ذلك المعارض ليس بحجة في