للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذلك أحوال الرواة في الضبط وغيره، والرواية في تواترها وشذوذها طرق شتى ليست من جنس واحد على ما بينا في أبوابها.

وكذلك تأثير العلة إنما يكون بأدلة معلومة متفاوتة الأثر بعضها فوق بعض ممكن العمل بها، ومثال ذلك اختلاف العلماء في طول الحرة هل يمنع الحر نكاح الأمة؟

قال الشافعي: يمنع لأنه استغنى به عن تعريض جزء منه للرق فلم يحل نكاح الأمة لما فيه من إرقاق ولده وهو جزء منه، والإرقاق كالهلاك حكمًا حتى يخير الإمام في الكافر المغنوم بين القتل والإرقاق، فكان حرامًا إلا لضرورة ما، وهو أن لا يجد طول الحرة ويخاف الزنا أو فساد أمر المعيشة، ويقيس بهذا المعنى على من تحته حرة.

ونحن نقول: الطول لا يمنع لأنه يجوز معه نكاح العبد بالإجماع. فإن المولى إذا دفع إليه مالًا يجد به الحرة فتزوج به الأمة يجوز بالإجماع.

ولما جاز معه نكاح العبد الأمة جاز نكاح الحر كذلك قياسًا على وجود الحرة في دار الدنيا، وهذا لأن العبد ما فارق الحر إلا بتصنيف حاله في المعنى القابل لعدد الأنكحة، حتى حل للحر أربع نسوة حرائر ولم يحل للعبد إلا نصفها فأما سائر شروط النكاح من المهر والولي والخلو عن العدة فقائمة، والنصوص لا توجب التفرقة بينهما.

وإذا بقي العبد فيما بقي من النكاح الحلال على ما كان بحكم تنصف السبب لم يجب التفريق بينه وبين الحر في ما بقي من الشروط المانعة المبيحة، وكان هذا الأثر أقوى من أثرهم لأنه أشار إلى إرقاق مائه، وفيه هلاك حكمًا.

والحر له أن يعزل مختارًا بلا ضرورة وفيه تضييع مائه وهلاك حقيقة، فلما لم يحرم السعي إلى الهلاك الحقيقي بلا ضرورة فلأن لا يحرم السعي إلى الهلاك الحكمي بلا ضرورة أولى، فضعف أثر وصفهم بنظيره من الهلاك الحسي الحقيقي فقد شهد عليهم.

وكذلك نكح الأمة الكتابية عندنا حلال للمسلم، وعنده حرام لأنها أمة كافرة فأشبهت المجوسية.

قال: لأن للرق أثرًا في التحريم وكذلك الكفر فإذا اجتمعا التحقا بالكفر الغليظ، أو لأن طول الأمة [من أهل الكتاب والإسلام سواء، ونكاح الأمة] جائز لدفع ضرورة الزنا فإذا وقعت الغنية بالمسلمة لم تحل الكافرة، ولهذا قال: لا يجوز أن تنكح الأمة على الأمة لأن الضرورة اندفعت بالواحدة.

إلا أنا نقول: نكاح الحرة يجوز له مع هذا الدين فكذلك نكاح الأمة قياسًا على دين الإسلام، وهذا لما ذكرنا أن الرق لا يحرم أصل النكاح بل ينصف بقدر الإمكان فلا يتغير حكم أصل النكاح لما بقي النصف على ما كان، وإنما يظهر أثره في القدر ولا قدر لنكاحها من حيث التزوج برجال، كما يتزوج الرجال بنساء ليظهر حكم التصنيف في ذلك

<<  <   >  >>