الأحوال كلها خطاب التمليك صحيحاً لأحد عن رجاء الملك له أو لمن يقوم مقامه، والكافر يخلوا أداؤه للعبادة عن ثواب يكون له أو لغيره على طريق القيام مقامه.
والأسباب إذا خلت عن أحكامها لغت الإيمان لأنه من أهل أن يؤمن للحال فيثاب به عليه بخلاف المعاملات لأنه إنما يخاطب بما يتأهل لاستحقاق حكمها.
وبخلاف العقوبات لأنه أهل للإقامة عليه حتى لم يكن عندي خطاب الكفارة ثابتاً في حق الكفار، لأنه لا يخلو عن معنى العبادة واستحقاق الثواب، كالعبد لا يخاطب بالتكفير بالمال لأنه ليس من أهل ملك المال.
فأما الجواب عن قولهم: إن الكفر معصية فلا يجعل عذراً فكذلك، ولسنا نسقط الخطاب مرحمة ليكون بسبب العذر بل أسقطنا الخطاب نقمة ليكون بسبب المعصية.
وإنما قلنا: يسقط نقمة، لأنه سقط لخروجه عن صلاحه للجنة وهذا نقمة.
فإن قيل: إذا لم يخاطب بها لم يؤاخذ بتركها.
قلنا: إن الخطاب للأداء لا للإثم بالترك فلو لم يجز التصحيح لكان الإثم بالترك على أن الكافر يترك الطاعات مستحلاً، وكذلك يرتكب المعاصي مستحلاً فيكون ذلك كفراً على كفر، وتزداد العقوبة بذلك كله على أنه إن لم يكن من أهل فعل العبادة لأنها من ثمن الجنة فلم يخاطب فهو من أهل المعصية التي هي سبب النار فيستقيم إثبات الخطاب في حقها، ولهذا نجدهم على المعاصي في الدنيا وهي عقوبة.
ولأن إخراجهم أنفسهم بالكفر عن أهلية الخطاب في إيجاب الإثم عليهم فوق تركهم ما يلزمهم بالخطاب فلا يكون فيه خفة كالذي يقتل نفسه لا يؤاخذ بما يفوته من العبادات بعده، وإن كان القتل معصية لأن إثمه في قتله نفسه يربى على ذلك كله.
ومعنى قول الله تعالى: {لم نك من المصلين} [المدثر: ٤٣] أي المسلمين فسمى الإسلام باسم شريعة منه كما سمى الصلاة باسم الركوع والسجود، لأنهم لم يكونوا من المصلين مستحلين وبهذا يؤاخذون.
ولأنا لا نسقط الخطاب بالكفر، ولكنا لا نوجب لفقد الشرط الذي يصح معه الخطاب وهو الأهلية لحكمه، وهذا كما لا يخاطب بعد ما قتل نفسه.
والذي يدل عليه أن هذه الأعمال للفكاك عن قيد الاستعباد كمال الكتابة يؤديه العبد للفكاك عن قيد الرق، وقبل الإيمان بالله تعالى لا يتصور منه أعمال يتعلق بها الفكاك ويتعلق بنفس الإيمان الفكاك أو يثبت به عقد الكفاك فاستقام الخطاب بالإيمان دون الأعمال.
ألا ترى أن المولى يستقيم منه خطاب العبد بعقد الكتابة ولا يستقيم الخطاب بأداء