علمهم بصفات الله تعالى فالدنيا على ما نراها ما فيها آيات قاهرة للحق على المعرفة.
ولأن لله تعالى صفتين عدل وفضل، ولو كان التخليق على سبيل لا يكون فينا ما يصدنا عن الطاعة لكان لا يقع منا معصية، والله تعالى لا يعذب أحداً ابتداء فكان لا تعرف صفة عدله بدلالة صنعه وصفات الله تعالى مما وجب القول بها بدلائل صنعه عليها فخلق الخلق على هذا الوصف ليصير الناس بين شاكر وكافر ليجازيهم على ذلك في دار أخرى ذات آيات قاهرة لا يبقى فيها أحد منكراً له عاصياً لأمره جاهلاً بصفات بدلالات صنعه لتحصل العاقبة المطلوبة من المعرفة والطاعة بآثار صنعه فيعرفه أهل الجنة بصفة إحسانه بآثار صنعه بمكانهم، وأهل النار بصفة عدله وغضبه وانتقامه بآثار صنعه بمكانهم.
فتكون المعرفة بجميع صفاته بأبلغ أسباب المعرفة تعالى الله من حكيم لا يحاط بحكمته ولما وجب القول بدار أخرى، وهي دار الجزاء على هذه الأعمال وجب البقاء والخلود لأنا أثبتنا هذا الترتيب، لأن تناهي الحكمة المطلوبة من الصنع فيه وكان الخلق بدونه عبثاً فلم يجز أن يفوت فيصير عبثاً.
ألا ترى في الشاهد كما لا تفوت العاقبة المطلوبة من الصنع عن الصانع إلا لعجزه، كذلك لا تفوت بعد الوجود إلا لعجزه وتعالى الله عن ذلك، وبذلك نطق كتاب الله تعالى:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وقال: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون} أي حسبتم أنا عبثنا بخلقكم، ثم نفى صفة العبث بحكم الرجوع إليه، فبين أنه لا يجوز أن تكون الدنيا بلا دار جزاء.
وقال:{أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات} الآية فبين أن التسوية بين الكافر والمؤمن حكم سيء والكافر والمؤمن سواء في حظوظ الدنيا، وأخبر الله تعالى أنه غير حق والله تعالى خلق بحق، وأخبر أن الحق في المجازاة على وفاق العمل.
وقال:{إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض} الآية فأخبر أن الآدمي حملها عن اختياره لعاقبة تعذيب المشتركين ومغفرة المؤمنين وهما في دار أخرى للجزاء.
وقال:{خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً}.
وقال:{وليبتلى الله ما في صدوركم} والابتلاء لا يتصور إلا بفعل يكون الفاعل مختاراً فيه، وقال الله تعالى في حكاية تمام الإيمان:{ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل ءامن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} فثبت أنه لا تتمه إلا بالمصير إليه وليس التتمة بالفناء.
ولما ثبت أن الصنع من الله تعالى لا يجوز إلا لعاقبة الاستعباد للجزاء وما سوى