ولم يعقل غير الخطاب سبباً آخر للوجوب مع الوقت فلما بطل أن يكون الخطاب موجباً للتكرار فكان سبباً لوجوب أداء ما لزمه في ذمته بسبب آخر بقي الوقت مناسباً بنفسه، وكذلك يضاف إليه فيقال؛ صلاة الظهر والعصر ومطلق إضافة الحادث إلى شيء يدل على حدوثه به كقولك: عبد الله وكفارة القتل، وهذا كسب فلان وتركته وقتله، والوجوب هو الحادث فدل أنه كان بالوقت، وقد يضاف إلى الشروط لكنه مجاز لما أن الحكم وجد عنده فأشبه العلة التي يوجد الحكم عندها بها ولكن الكلام لحقيقته حتى يقوم الدليل على مجازه.
وكذلك الله تعالى قال:{أقم الصلاة لدلوك الشمس} واللام تذكر للتعليل في مثلها كما تقول تطهر للصلاة وتأهب للشتاء، فثبت أن الوقت هو السبب، وكل جزء من الوقت سبب تام، فإنه لو كانت السببية تتعلق بالجميع لوجبت الصلاة بعد الوقت كالزكاة بعد الحول.
وكذلك تجب على الصبي إذا بلغ لآخر الوقت، ولو كان السبب أول الوقت لما وجب كما لو بلغ بعد الوقت.
وكالصبي المسافر في رمضان إذا بلغ بعد رمضان ثم أقام لا يلزمه شيء، وإن كان البالغ في مثله يلزمه حين الإقامة لأن السبب في حق المسافر البالغ هو رمضان لا حين الإقامة فلا يلزم لحين الإقامة إلا من كان أهلاً للوجوب عليه في الشهر لولا السفر.
وأما الصوم فسببه الشهر لأنه يضاف إليه فيقال: صوم رمضان ويتكرر بتكرره كالصلاة مع الوقت، وقال صلى الله عليه وسلم "صوموا لرؤيته" كما قال الله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} وقال تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} علق إيجاب الأداء بشهادة الشهر فعلم أنها سبب الوجوب حتى استقام طلب الأداء بعده كالرجل يقول: من اشترى شيئاً فليؤد ثمنه، أي الواجب بالشراء إلا أن الدليل قام لنا بإباحة الله تعالى الأكل في ليالي الشهر كلها، وبأن لا يجوز فيها صوم إذ المراد بالشهر أيامه، وكذلك الصبي إذا بلغ لأول الصبح لزمه الصوم وإن لم يشهد الليل.
فإن قيل: انتفاء جواز الأداء ليلاً لم يدل على خروجه عن كونه سبباً للوجوب!
قلنا: إن المطلوب من الإيجاب الأداء، وفي جعل الله تعالى وقتاً سبباً لوجوب عبادة بيان شرف ذلك الوقت لحق العبادة، والعبادة في الأداء دون الإيجاب فإنه صنع الله تعالى