للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حيث اللغة لا تخص طرائق الرسول، ولكنها في عرف الشرع يراد بها طرائق الدين إما للرسول صلى الله عليه وسلم بقوله أو فعله، أو للصحابة على ما نبين بعد هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم متبع قولًا وفعلًا، وكذا الصحابة.

وسنة العمرين ظاهر إطلاقها في السلف حتى كانوا يأخذون البيعة من الخلفاء الراشدين على سنة الرسول وسنة العمرين.

فأما بعد الصحابة فما لأحد طريق في الدين يتبع، وإنما يتبع حجته وإذا كان كذلك لم يدل إطلاق السنة على أنها طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أنها واجبة لأن طرائق الدين متنوعة من واجب وغيره، وكذلك قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن كذا لا يدل على أنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان ظاهرًا بينهم أمر الخلفاء إياهم وانقيادهم لهم على ما قال الله تعالى: {وأولي الأمر منكم} وسيأتيك تمام بيانه في باب أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما النافلة: فعبارة عن الزيادة، والنفل: الغنيمة لأنها زيادة حصلت بلا عوض، وولد الولد نافلة لأنه ربح ولده المكسوب، وزيادة بلا صنع كان له فيه، وسميت زوائد العبادات من جهة العبد النوافل لهذا المعنى، وهي التي يتعبد بها العبد زيادة على الفرائض والسنن المشهورة، والنافلة والتطوع نظيران في متعارف اللسان ويراد بكل واحد منهما عبادة ليست على العبد، وهذا لأن التطوع في اللغة: عبارة عن التبرع بما ليس على الفاعل، فكان بمعنى الزيادة على ما عليه.

وأما أحكامها

فحكم الفريضة: لزومها إيانا في حق القلب اعتقادًا بلا شبهة، حتى كان تركه كفرًا، وفي حق البدن عملًا بها حتى كان تركه عصيانًا، لأن تصديق العبد ربه بما جاء منه بقلبه إيمان فكان الترك كفرًا، وأما العمل بالبدن فطاعة وليس بإيمان لأن الإيمان تصديق بعد المعرفة، ولا معرفة لما سوى القلب بل لها إسلام لما عرفه القلب فكان ضد الطاعة عصيانًا وفسقًا.

والفسق في اللغة: الخروج، يقال فسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها، وفسق العبد إذا خرج عن أمر ربه، والكافر على هذا رأس الفساق إلا أنه اختص باسم الكفر الذي هو فوق الفسق فبقي الفسق المطلق في العرف لما دون الكفر في الخروج.

وأما الواجب فحكمه: حكم الفريضة في حق العمل بدنًا، وحكمه حكم السنة في حق القلب علمًا، لما ذكرنا أن سبب وجوبه مما لا يوجب العلم به فلا نكفر المخالف بتكذيبه، ولا نفسقه بتركه عملًا، إلا أن يكون استخفافًا بأخبار الآحاد فنفسقه لوجوب المصير إلى خبر الواحد بالإجماع على ما نذكره، ونؤثمه بترك الواجب لتركه ما عليه.

<<  <   >  >>